التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب 53 هدى وذكرى لأولي الألباب 54 فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار 55 إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير 56 لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون 57 وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون 58 إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون 59 وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين 60}

صفحة 6145 - الجزء 8

  والنهار فيهما، وتسيير النجوم ونحوها، فهو يقدر على إعادتهم. وقيل: أراد كيف تنكرون البعث مع إقراركم أنه خلق السماوات والأرض، وهو أكبر وأعجب «وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» يعني: الكفار، وقيل: أكثر مِنْ خَلْقِ الدجال، ولكن اليهود الَّذِينَ يجادلون في أمره لا يعلمون. «وَمَا يَسْتَوِي الأعمَى وَالْبَصِيرُ» أي: لا يستوي من أهمل نفسه فهو كالأعمى لا يبصر شيئًا، ومن يتفكر فيعرف الحق، وكذلك لا يستوي «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلاَ الْمُسِيءُ» بعمل المعاصي قَلِيلًا مَا يَتَذَكَّرُونَ» أي: قَلَّ تفكرهم في العواقب «إِنَّ السَّاعَةَ» أي: القيامة «لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا» أي: لا شك في مجيئها «وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ» أي: لا يصدقون بها «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» يعني: انصرفوا عن الأوثان التي لا تسمع ولا تنفع، ولا تجيب لكم، يعني: اعبدوني وحدي. وقيل: المراد به: الذِّكْرُ والدعاء، والأول أحسن. «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي» قيل: توحيدي وطاعتي. وقيل: عن دعائي، عن السدي. والأول قول أكثر المفسرين. «سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ» صاغرين أذلاء.

  · الأحكام: يدل قوله: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ} على قبح الجدال بالباطل، وأما الجدال بالحق لنصرة الدين فمحمود.

  ويدل قوله: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ} على صحة الحجاج في الدين.

  وتدل على أن المعارف مكتسبة؛ لذلك قال: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

  وتدل على وجوب الدعاء والانقطاع إليه؛ لذلك قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.