التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون 61 ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون 62 كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون 63 الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين 64 هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين 65}

صفحة 6147 - الجزء 8

  · القراءة: قراءة العامة: «صُوَرَكُمْ» بضم الصاد، وعن ابن رزين العقيلي بكسر الصاد، وهما لغتان.

  · اللغة: الصُّوَرُ: جمع صورة.

  وتبارك: تفاعل من البركة وهو الزيادة، ومعناه: الحياة والبقاء.

  · المعنى: لما تقدم الدعاء إلى عبادته وتوحيده عقبه بذكر أدلة التوحيد، فقال سبحانه: «اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ» يعني: أراد بخلق الليل أن يكون محلاً لسكونكم، فتسكن فيه كل الحيوانات، وتستريحون من الكد والتعب «وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا» أي: خلق النهار مضيئًا تبصرون فيه مصالح دنياكم «إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ» بهذه النعم عليكم من غير استحقاق ولا تقدم طالب، ومع هذا فإن أكثر الناس لا يشكرون؛ لجهلهم بالنعم والمنعم يعني: مَنْ أَنْعَمَ عليكم بهذه النعم «اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ» أي: لا يستحق العبادة غيره «فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ» قيل: كيف تصرفون عن هذه الأدلة مع وضوحها؟ وقيل: كيف تصرفون عن عبادته مع هذه النعم التي أنعم عليكم بها؟ «كذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ» قيل: كما صرف هَؤُلَاءِ عن الحق، كذلك صرف مَنْ تَقَدَّمَ من الكفار، صرفهم أكابرهم ورؤساؤهم. وقيل: كما صُرِفَ هَؤُلَاءِ بِشُبْهَةٍ، كذلك يصرف مَنْ قَبْلَهُمْ بِتُرَّهاتٍ، كَشُبَهِ النصارى واليهود. وقيل: كما صرف هَؤُلَاءِ عن طريق الحق، كذلك يصرفون