التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين 66 هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون 67 هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون 68 ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون 69 الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون 70 إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون 71 في الحميم ثم في النار يسجرون 72}

صفحة 6150 - الجزء 8

  والسلاسل: جمع سلسلة، وهو حلق منتظمة في جهة الطول مستمرة.

  والسحب: الجرّ، سُحِبَ سَحْبًا.

  والسَّجْرُ: إلقاء الحطب في معظم النار.

  · النزول: قيل: نزل قوله: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ} في مشركي مكة، لما دعوه إلى موافقتهم.

  فأما قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ} بالباطل، عن ابن سيرين، وجماعة، ومجادلتهم بالباطل قولهم: الله الذي خلق الكفر في الكفار، وخلق فيه القدرة الموجبة، وأراد منه الكفر، ولم يرد منه الإيمان، ولا خلقه، ولا أقدره عليه، فمع هذا كيف يؤمن؟! فكذب الرسل؛ لأنهم دعوهم إلى الإيمان، وأتوا بخلاف ما هم عليه.

  · المعنى: ثم نهى عن عبادة غيره، فقال سبحانه: «قُلْ» يا محمد: «إِنِّي نُهِيتُ» أي: نهاني الله، وإنما جاء بلفظ المجهول تفخيمًا «أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» أي: تدعونه إلهًا وتعبدونه، وهي الأوثان «لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي» يعني: أعطاني الحجج «وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ» قيل: أنقاد له، وقيل: أُخْلِصُ العبادة له، وقيل: أُسْلِمُ أموري كلها إليه.

  ثم دعا إلى ذكر الأدلة المتضمنة للنعم، فقال سبحانه: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ» يعني: آدم، وهو أبو الجميع خلقه من تراب، فأحال التراب لحمًا ودمًا وعظًمًا وعصبًا، فَصَوَّرَ منه شخصا سويًّا، {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} أي: خلق أولاده من نطفة، وهو ماء الرجل والمرأة «ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ» فتصير النطفة قطعة دم «ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً»