قوله تعالى: {ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون 73 من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين 74 ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون 75 ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين 76 فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون 77 ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون 78}
  أي: لهَؤُلَاءِ الكفار إذا دخلوا النار «أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» يعني: الأصنام التي عبدوها، وهذا سؤال توبيخ، يعني: كنتم تزعمون أنها تنفع وتضر، فأين هي اليوم؟ «قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا» أي: ضاعوا وهلكوا، فلا نراهم، ولا نقدر عليهم «بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا» قيل: معناه لم نكن ندعو شيئًا ينفع ويضر، ويسمع ويبصر. وقيل: لم نكن ندعو شيئًا يستحق العبادة، أو ينتفع بعبادته، عن أبي علي. وقيل: لم نَدْعُ شيئًا ينفعنا، وهذا كما يقال لشيء يسمع: ليس هذا بشيء، عن أبي مسلم؛ لأن كل ما لا يغني شيئًا يقال: ليس بشيء. فأما من يقول: إنهم أنكروا وجحدوا وجهلوا، فليس بشيء؛ لأن قولهم: «قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا» اعتراف بعبادتهم، ولأن الآخرة دار إلجاء. فلا يُمَكَّنُون من الكذب. وقيل: معناه: ضاعت عبادتنا لها، فلم نكن نصنع شيئًا إذ عبدنا، فقال كما يقول المتحسر: ما فعلت شيئًا. «كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ» قيل: يضلهم عن طريق الجنة والثواب كما يضلهم عما عبدوه، ويندمون بها، عن أبي علي. وقيل: يهلكهم ويعذبهم، عن أبي مسلم. وقيل: كذلك يضلهم عما اتخذوه إلهًا بصرفهم عن الطمع في نيل نفع من جهته. وقيل: كذلك يضل الله أعمالهم بإبطالها، عن الحسن. «ذَلِكُمْ» يعني: هذا العذاب الذي أصابكم إنما هو «بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيرِ الْحَقِّ» أي: بفرحهم بالباطل «وَبِمَا كنْتُمْ تَمْرَحُونَ» أي: تبطرون وتفجرون، وقيل: ذلك بفرحهم بالأوثان، ومرحهم بتكذيب رسول الله ÷ ف «ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ» وهي سبعة أبواب، فهم مقتسمون على منازلهم «خَالِدينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ» أي: مقام مَنْ تكبر عن قبول الحق في النار، وقيل: المثوى: المنزل «فَاصْبِرْ» يا محمد على تبليغ الرسالة، وإن نالك منهم الأذى «إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» بالنصر لأنبيائه، والانتقام من أعدائه «حَقٌّ» أي: صِدْقٌ لا خلف فيه «فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ» من العذاب في حياتك، وإنما قال: «بعض» لأن المعجل في الدنيا بعض ما يستحقه الكفار، لأن المستحق لا يتناهى «أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ» قبل أن يحل بهم ذلك «فَإِلَينَا يُرْجَعُونَ» فنجازيهم.