قوله تعالى: {الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون 79 ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون 80 ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون 81 أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون 82 فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون 83 فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين 84 فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون 85}
  وقيل: على المصدر، تقول العرب: سَنَّ يَسُنُّ سَنًّا وسُنَّةً.
  وقيل: على التحذير، أي: احذروا سنة الله، كقوله: {نَاقَةَ اللَّهِ}[الشمس: ١٣].
  · المعنى: ثم عاد إلى ذكر الأدلة وعَدِّ النعم، فقال سبحانه: «اللَّهُ» الذي تحق له العبادة «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ» أي: خلقها لمنافعكم «لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ» يعني: بعضها للركوب والأكل، كالإبل والبقر، وبعضها للأكل كالأغنام، وقيل: الأنعام: الإبل وحدها، وقيل: الأصناف الثمانية، وهو الوجه «وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ» في أصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها «وَلِتَبْلُغُوا عَلَيهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ» أي: في الأسفار يحمل عليها الأثقال وتركب، وتبلغ المقاصد. وقيل: تبلغون ما تحتاجون إليه من الأمور التي فيها قربة لله تعالى؛ لأن ما كان معصية يكرهها ولا يريدها، وما كان مباحًا لا يريده ولا يكرهه، وما كان طاعة يريدها، عن أبي علي. «وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ» يعني: على الأنعام في البر وعلى الفلك في البحر «وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ»؛ لأن جميعها دالة على توحيده وعدله.
  ثم وعظهم بذكر الأمم الماضية تسلية له ووعيدًا لهم ودعاء إلى الإيمان، فقال سبحانه: «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ» عددًا «وَأَشَدَّ قُوَّةً» في أنفسهم وأعوانهم «وَآثَارًا فِي الأَرْضِ» بارتفاع الأبنية، واتخاذ المنازل والقصور، واستخراج الكنوز، فينظروا إلى آثارهم، ويعتبروا بذلك؛ لأنهم تفانوا وتركوا. جميع ذلك «فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ» أي: لم ينفعهم كسبهم لذلك، وقيل: هو بمعنى الاستفهام، يعني: أيُّ شيء أغنى عنهم؟! كذلك هَؤُلَاءِ ما يؤمنهم أن ينالهم مثل ما نال أولئك، وقيل: أراد بالكسب: المكسوب من الأموال والحشم.