التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون 79 ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون 80 ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون 81 أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون 82 فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون 83 فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين 84 فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون 85}

صفحة 6157 - الجزء 8

  ثم بَيَّنَ تعالى أنه كان أزاح علتهم، وأنهم أُتُوا في ذلك من جهتهم، فقال تعالى: «فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ» يعني: الأمم «رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ» بالحجج «فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ» قيل: قالوا: نحن أعلم منهم لا نُبْعَث ولا نعذب، عن الحسن، ومجاهد. يعني: كان عندهم أنه علم، وهو جهل. وقيل: رضوا بالشرك الذي كانوا عليه، عن الضحاك. أي: أعجبوا به، وظنوا أنه عِلْمٌ، وهو جهل وكفر. وقيل: أعجبوا بما عندهم، والفرح: شدة الإعجاب. وقيل: فرحوا بما عندهم من المال والجاه والرئاسة، وبطروا. وقيل: فرح الرسل بما عندهم من العلم بنجاتهم، وهلاك أعدائهم، والأول الوجه، خرج مخرج الجزاء، كأنه قيل: لما جاءتهم الرسل لم يقبلوا وفرحوا، ولذلك عطف عليه «وَحَاقَ بِهِمْ» أي: حل ونزل، وقيل: وجب «مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون» من العذاب «فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا» عذابنا «قالُوا آمَنَّا» أي: ذلوا وخضعوا، وتركوا التكبر، وآمنوا بِاللَّهِ «وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ» من الأصنام «فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا» أي: لم ينفعهم بعد رؤية العذاب؛ لأنه يكون ملجأ إليه «سُنَّتَ اللَّهِ» أي: هذه طريقة الله «الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ» أي في عذاب الكفار. وقيل: في قبول التوبة أنه لا يقبلها إلَّا مِن المختار دون المُلْجَأ الذي قد عاين العذاب. وقيل: في إمهال الكفار مدة، ثم أخذهم بغتة «وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ» أي: خسرتم بفوت الجنة ودخول النار.

  · الأحكام: يدل أول الآيات على توحيده؛ لأن هذه الأشياء لا يقدر عليها غيره تعالى.

  وتدل أنه خلقها لمنافع العباد.

  وتدل أنه يفعل الفعل لغرض وحكمة، خلاف ما يقوله بعض الْمُجْبِرَة.

  وتدل على أن إنكار الآيات فعلُهم؛ لذلك توعدهم عليها.