التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين 9 وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين 10 ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين 11 فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم 12}

صفحة 6173 - الجزء 9

  قدر في كل بلدة منها ما لم يجعله في غيرها؛ ليعيشوا بالتجارات، عن عكرمة، والضحاك، وقيل: الحنطة لأهل قُطْرٍ، والشعير لأهل قطر، والتمر لأهل قطر، والسمك لأهل قطر، والذُّرَة لأهل قطر، عن الكلبي. «فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ» مع اليومين اللذين تقدم ذكرهما، كما يقال: من بغداد إلى الكوفة ثلاثون فرسخًا، وإلى القادسية خمسة وثلاثون فرسخًا، ويراد مع الأُولى «سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ» قيل: مستوية كاملة، ليس فيها نقصان، وقيل: على سواء من الوقت، (خلق الأرض) يعني خلق الأرض في يومين، وخلق الأقوات في يومين «سواء» فكل واحد منهما في يومين للسائلين قيل: وكل ذلك بيانًا لما خلق للسائلين، عن الحسن، وقتادة، والسدي، وعن أبي علي، وقيل: للسائلين الله فيها قضاء حوائجهم، أي: لمن يسأل الرزق من السائلين، وقيل: سواء للسائلين وغير السائلين، فإنه خلق الأرض وما فيها لمن سأل، ولمن لم يسأل، وقيل: قَدَّرَ ذلك على قدر مسائلهم؛ لأنه لم يَنْوِ سائلهم إلا وهو عالم به قبل كونه، عن ابن زيد. {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} أي: قصد إلى خلق السماء «وَهِيَ دُخَانٌ» قيل: بخار الماء، وقيل: كان بخار الأرض، عن ابن عباس، وقيل: استوى أمره إلى السماء، عن الحسن. «فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ» أراد به أنه كونهما كما أراد، فكان من غير تعذر وامتناع، ولم يكن هناك خطاب منه لهما، ولا جواب منهما؛ لأنهما كانا معدومَين أو جمادَين، ومثل ذلك كثير في كلام العرب، كقول الحكيم: سلِ الأرض مَنْ شق أنهارك، وغرس أشجارك، وأينع ثمارك؟ فإن لم تجبك حوارًا أجابتك اعتبارًا، ولم يرد حقيقة السؤال، وقال الشاعر: