قوله تعالى: {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون 19 حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون 20 وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون 21 وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون 22 وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين 23 فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين 24}
  ومتى قيل: كيف تشهد الجوارح؟
  قلنا: يجوز فيه وجهان:
  أحدهما: أن تبنى بنية الحيوان، وتعطى آلة النطق، وتلجأ إلى الشهادة.
  والثاني: أن يخلق فيها الشهادة، وتضاف إليها مجازًا، والأول أقرب.
  ومتى قيل: وما الفائدة في شهادة الجوارح؟
  قلنا: زيادة في فضيحتهم، وقيل: إظهارًا للعدل، وقيل: لقرب جوارحه إليه فتكون أعظم، كشهادة القريب على قريبه.
  «وَقَالُوا» يعني الكفار «لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَينَا قَالُوا» يعني الجوارح، وأجرى الكناية مجرى كناية من يعقل؛ لأجل النطق «أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ» أي: أعطانا آلة النطق والقدرة على النطق «وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ» أي: كما قدر على خلق جميع الأشياء قدر على إنطاق الجوارح «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» قيل: إلى حكمه وجزائه بعدما شهدوا عليه، وقيل: معناه هذا أوان رجوعكم إليه «وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ» قيل: تستحيون، عن السدي، وجماعة، وقيل: ما كنتم تسترون معاصيكم عن أنفسكم، كما كنتم تستترون عن الخلق، لأن الإنسان لا يمكنه أن يستر عن نفسه كما يستر عن غيره، وقيل: تستترون: تتقون، عن مجاهد، وقيل: تظنون، عن قتادة. «أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ» أي: بجهلكم بالتوحيد ظننتم أن أعمالكم تخفى على الله «وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ» أي: هذا الظن منكم بالله «أَرْدَاكُمْ» أي: أهلككم «فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ» بذلك يوم القيامة، وقيل: ظنكم أن القيامة لا