التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين 25 وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون 26 فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون 27 ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون 28 وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين 29}

صفحة 6190 - الجزء 9

  أصواتكم بالشعر والكلام؛ حتى تلبسوا عليهم ليسكتوا، عن مقاتل، وقيل: عيبوه والغوا فيه، عن أبي العالية. «لَعَلَّكمْ تَغْلِبُونَ» قيل: لتغلبوا محمدًا على قراءته، وقيل: لا تُعلم قراءته فتكونوا أنتم الغالبين عليه «فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ» أي: لنكافئنهم «أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ» قيل: نجازيهم على أعمالهم السيئة، وهي المعاصي، عن أبي علي، وقيل: نجازيهم بأسوأ من ذلك، وسماه أسوأ على المقابلة، كقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}⁣[الشورى: ٤٠] وقيل: لأنه يسوء صاحبه «ذَلِكَ» يعني العقاب المتقدم ذكره «جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ» وهم العصاة «النَّارُ» يعني ذلك الجزاء «لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ» أي: في النار يدوم ذلك عليهم «جَزَاءً بِمَا كَانوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ».

  «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ» يعني إذا أخذهم العذاب وعلم الأتباع أن البلاء حل بهم بسبب المتبوعين الَّذِينَ أضلوهم، فقالوا هذا القول، وتمنوا أن يريهم، وقيل: «الَّذِينَ أضلانا»، قيل: أراد إبليس من الجن، وقابيل الذي قتل أخاه من الإنس؛ لأنهما أساس الفساد، وقيل: أراد الدعاة إلى الضلال وأئمة الكفر والبدع «نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا» في النار «لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ» أي: في الدرك الأسفل فيكون عذابهما أشد.

  · الأحكام: يدل قوله: «فزينوا» أن القرناء زينوا المعاصي لهم، وذلك يبطل قول الْمُجْبِرَةِ: إن الله هو الذي زين.

  وتدل على التحذير من قرناء السوء.

  ويدل قوله: {تَسْمَعُوا} أن النبي ÷ كان يحتج عليهم بالقرآن، ويتحداهم به؛ لذلك منعوا من استماعه.