قوله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون 30 نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون 31 نزلا من غفور رحيم 32 ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين 33 ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم 34 وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم 35}
  أنفسهم، وقيل: ذلك إخبار عما مضى، وقيل: بل إخبار عن الحال، «وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ» قيل: التأنيث مصروف إلى المعنى، يعني لا تستوي الملة الحسنة التي هي الإسلام، والملة السيئة التي هي الكفر، وقيل: لا يستوي قول الداعي إلى الحق، وقول الداعي إلى الضلال، وقيل: لا تستوي الأعمال الحسنة ولا القبيحة، وقيل: أراد الدعاء على أحسن الوجوه، فإنه أقرب إلى القبول.
  ثم بَيَّنَ ما يلزم الداعي في الدعاء من الرفق بالمدعو، فقال - سبحانه -: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» يعني ادفع بحسن القول كيدهم وأذاهم، وقيل: الحسنة:
  المداراة، والسيئة: الغلظة، يعني لا تقابلهم بمثل فعلهم، فإذا فعلت ذلك «فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» يعني بعدما كانوا أعداءك يصيرون أولياءك، «وَلِيٌّ» صديق، «حَمِيمٌ» قريب، وقيل: وَلِيٌّ من أقاربك، أو قريب من أقربائك، وقيل: كأنه وَلِيٌّ في الدين حميم في النسب «وَمَا يُلَقَّاهَا» أي: ما يُرَاها ويعطاها، وقيل: لا يوفق لاحتمال الأذى من المخالفين إلا مَنْ له الصبر، وقيل: لا يوفق لهذه الخصلة إلا من له الصبر في الدين «وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظِّ عَظِيمٍ» قيل: حظ عظيم أي: نصيب من الثواب، وقيل: ذو حظ عظيم في الحزم والرأي، وقيل: في العلم وحسن الخلق، وقيل: متين على أذى الأعداء وطاعة الله فيما أمر من دفع السيئة بالحسنة، فالأول تكليف بالصبر، والثاني مدح وتعظيم.
  · الأحكام: يدل أول الآية أن المؤمن لا بد له من الاستقامة ليصل إلى الثواب، وأن مجرد القول لا يكفي.
  وتدل على أن المؤمن مبشر بكل نعمة، وأنه لا يخاف، ولا يحزن في القيامة، خلاف ما يقوله بعضهم.