قوله تعالى: {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد 46 إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد 47 وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص 48 لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط 49 ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ 50}
  يجوز أن يقول ذلك العابد والمعبود «وَضَلَّ عَنْهُمْ» بطل عنهم، قيل: بطل ما أملوه من أصنامهم، وقيل: هلك وذهب عنهم ذلك «وَظَنُّوا» أيقنوا، عن السدي وجماعة. «مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ» أي: مهرب وملجأ، وقيل: غلب على ظنهم من كثرة الأمارات، وليس ذلك بصحيح؛ لأنهم يضطرون إلى معرفة ذلك. ثم بَيَّنَ طريقتهم في الدنيا، فقال - سبحانه -: «لاَ يَسْأَمُ الإِنْسَانُ» أي: لا يَمَلُّ، عن ابن زيد، يعني بحرصه يداوم على دعاء الخير وما يليه، ولا يشبع «مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ» أي: من دعائه بالخير، وهو المال وصحة الجسم وملاذ الدنيا «وَإنْ مَسَّهُ الشَّرُّ» نالته شدائد الدنيا «فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ» يعني يقل صبره، ويستشعر اليأس والقنوط، ذلك لجهلهم، ولو علموا المصالح وأنه تعالى يفعل الأصلح، لما كانت عادتهم هذه، والقنوط أبلغ من اليأس «وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا» أي: نعمة وعافية «مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ» أي: بعد شدة نالته في ماله أو نفسه وأولاده، وهو قنط من ذلك، فإذا أتاه النعمة جهل فَضْل اللَّه، ولم يشكر نعمه؛ بل يعتقد أنه مِنْ عِلْمِهِ وتدبيره، فيقول: «هَذَا لِي» أنا أحق به؛ لأنه بفضل علمي حصل «وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً» على ما وعدها الأنبياء «وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي» بناه على التقدير لا على التحقيق، يعني لا تقوم الساعة، ولئن قامت ورجعت إلى الله على ما تزعمون فـ «إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى» قيل: بشفاعة الأصنام، وقيل: لأنه أعطانا النعم في الدنيا، وذلك لمنزلة لنا عنده، فيعطينا كذلك في الآخرة، وهذا غاية جهلهم، فإن نعم الدنيا قسمة استصلاح وعطاء وفضل، وثواب الآخرة يحصل باستحقاق، وقيل: بل يقولونها هوى وتكذيبًا، وعن الحسن بن محمد ابن الحنفية: الكافر بين أمنيتين: أما في الدنيا فيقول: (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى)، وفي الآخرة يقول: {يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا}[النبأ: ٤٠]، «فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا» قيل: نخبرهم بأن نجازيهم عليها «وَلَنذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ» قيل: شديد، وقيل: دائم، وقيل: متراكم أنواع العذاب.