قوله تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل 6 وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير 7 ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير 8 أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحي الموتى وهو على كل شيء قدير 9 وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب 10}
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى من رحمته إمهالهم بعد الإنذار، وتأخير الجزاء إلى يوم القيامة، فقال - سبحانه -: «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ» أي: اتخذوا الأوثان آلهة لتتولى أمورهم، وتحوطهم، وتدفع عنهم «اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ» أي: يحفظ أعمالهم ليجازيهم بها «وَمَا أَنْتَ» يا محمد «عَلَيهِمْ بِوَكِيلٍ» أي: تحفظ أعمالهم لتمنعهم منها، إنما عليك البلاغ، وفيه تسلية له، وقيل: لَسْتَ بمطالب بجناياتهم «وَكَذَلِكَ أَوْحَينَا» أي: كما أوحينا إلى الرسل أوحينا «إِلَيكَ قُرآنا عَرَبِيًّا» أي: بلغة العرب «لِتُنْذِرَ» لتخوف «أُمَّ الْقُرَى» يعني مكة، وسميت بذلك، قيل: لأنها أفضل القرى؛ لأن فيها البيت وهي حَرَمٌ، وكل قرية دونها، عن أبي مسلم، وقيل: لأنها أول بيت وضع، وأُمُّ كل شيء: أصله، فكانت مكة أُمًّا لجميع القرى «وَمَنْ حَوْلَهَا» أي: لتنذر من حول مكة، قيل: المراد به العرب؛ ليكونوا أنصارًا له على سائر الأمم، عن أبي مسلم، وقيل: المراد به سائر الناس، عن أبي علي. «وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ» أي: بيوم يجمع فيه الخلائق، وهو يوم القيامة، ولم يبين ما خوف به؛ ليذهب قلب المكلف إلى كل مذهب من أنواع الخوف، وقيل: الإنذار بيوم الجمع إنذار بالفضيحة التي تظهر «لاَ رَيبَ فِيهِ» أي: لا شك «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» وهو النار، ففي الجنة الأنبياء والمؤمنون، وفي النار الكفار والفاسقون، وهذه أحوال المكلفين، لا يخلو مكلف من أحد هذين، وأحدهما غاية الأمنية؛ لأنها نعيم دائم يستحق على سبيل. التعظيم، لا يشوبها ما ينغصها، وثانيهما غاية الهموم؛ لأنها آلام عظيمة تستحق على سبيل الاستحقاق والإهانة، لا يشوبها رَوْحٌ «وَلَوْ شَاءَ الله لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً» قيل: لو شاء أن يحملهم على دين واحد - وهو الإسلام؟ بأن يلجئهم إليه - لَفَعَلَ، وإنما لم يفعل؛ لأنه يزيل التكليف، وإنما يثبت التكليف والثواب والعقاب مع الاختيار، ولو فعل ذلك لبطل الغرض، عن أبي علي، وقيل: لو شاء أن يجعل