التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير 11 له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم 12 شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب 13 وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب 14 فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير 15}

صفحة 6228 - الجزء 9

  وقيل: يهديه إلى طريق الجنة والثواب، و «ينيب» قيل: يرجع إلى ربه في إخلاص دينه «وَمَا تَفَرَّقُوا» في الدين، قيل: أهل الأديان المختلفة، وقيل: أراد أهل الكتاب، عن ابن عباس. «إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ» قيل: العلم ببعثة محمد وصفته، فعلموا وعاندوا، والمراد به العلماء، ويجوز على مثلهم العناد، عن أبي علي، وقيل: أراد بالعلم طريق العلم لا نفس العلم، يعني ما تفرقوا إلا من بعد قيام الحجة، وأُتُوا في كفرهم من قِبَلِ أنفسهم، والأول أقرب إلى الحقيقة، والثاني أقرب إلى اللفظ للعموم. «بَغْيًا» أي: طلبًا للدنيا، واتباعًا للهوى والحسد والعداوة «وَلَوْلاَ كلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى» أي: لولا وعد الله وإخباره بتبقيتهم إلى وقت معلوم، وتأخير العذاب عنهم في الحال، وقيل: لولا وعد الله بتأخيرهم إلى يوم القيامة، وهو الأجل المسمى «لَقُضِيَ بَينَهُمْ» بهلاك المبطل، وإثابة المحق «وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ» يعني اليهود والنصارى الَّذِينَ أورثهم الله الكتب من الأنبياء، التوراة والإنجيل وغيرهما، عن السدي. «مِنْ بَعْدِهِمْ» أي: من بعد الأمم الخالية، وقيل: من بعد اليهود والنصارى، وهم مشركو مكة والعرب، أورثهم القرآن من بعد الكتب الماضية «لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ» يعني كفرهم بجهالتهم لا للعناد كعلماء اليهود والنصارى، وقيل: هم في شكٍّ من نبوتك، وقيل: في نفس الكتاب الذي أورثوه «فَلِذَلِكَ فَادْعُ» قيل: اللام للتعليل، أي: لأجل الشك والذي هم فيه اُدْعُهُمْ إلى الحق؛ حتى تزيل الشك، وقيل: اللام بمعنى إلى؛ أي: إلى الذي شرعه الله ورضي به فادْعُ، عن أبي مسلم، وقيل: فَلِتَفَرِّقِ الأمم قبلك وبغيهم بعد العلم سلك قومك مذاهبهم شاكين في القرآن، ثم ابتدأ فقال سبحانه «فَادْعُ» إلى سبيل ربك «وَاسْتَقِمْ» قيل: بما آتاك