التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد 16 الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب 17 يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد 18 الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز 19 من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب 20}

صفحة 6236 - الجزء 9

  «مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ» يعني من أراد بعمله الدار الآخرة ووجه الله، وقيل: من أراد عذاب الدنيا وثواب الآخرة بعمله، وقيل: أراد بجهاده رضى الله ø، عن أبي علي. «نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ» قيل: في جزائه كقوله: {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}⁣[الأنعام: ١٦٠] وقوله: {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}⁣[الشورى: ٢٦] وقيل: نزد له في عمله بالتوفيق واللطف؛ ليثبت عليه، ويزيد العمل، ويستوجب الحظ الأوفى، وأراد بالحرث العمل، وذكر الحرث توسعًا، فشبه الأعمال بالبذر، والجزاء بالزرع، فكما لا يحصل الزرع إلا بعد إلقاء البذر، كذلك لا يحصل الثواب إلا بعد الأعمال الصالحة، وكما يتضاعف الزرع كذلك يتضاعف الأجر «وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا» أي: من يريد بعمله الدنيا نعطه رزقه [الذي] قسم له، وقيل: من جاهد مع المؤمنين وطلب الغنائم، يعطى من الغنائم، ولا نَصِيبَ له في الثواب، عن أبي علي، وقيل: أراد بذلك المنافقين الَّذِينَ كانوا مع رسول الله ÷ وكان مرادهم الغنائم، ولم يكن لهم رغبة في الآخرة، عن أبي علي، وقيل: أراد الجهاد وسائر العبادات، وقيل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ} أي: عمل الآخرة نال الدنيا والآخرة، ومن عمل للدنيا فلا نصيب له في الآخرة؛ لأن الأعلى لا يجعل تبعًا للأدون، عن الحسن. «وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ» أي: لا حظ لهم في ثواب الآخرة ونعيمها.

  · الأحكام: الآية تدل على أنه تعالى أنزل الكتاب، فتدل على حدوثه.

  وتدل أن الغرض بإنزاله القيام بالحق؛ ليعملوا به، خلاف قول الْمُجْبِرَةِ القدرية.

  ويدل قوله: {وَالمِيزَانَ} أنه أراد العدل في الدين والدنيا، فأنزل الكتاب للذين سلكوا طريقة الحق، وأنزل الميزان آلة العدل في الدنيا.