قوله تعالى: {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون 37 والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون 38 والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون 39 وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين 40 ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل 41 إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم 42 ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور 43}
  الموصوف، «وَالفَوَاحِش» قيل: كل قبيح، وقيل: هو الزنا، عن السدي. وقيل: موجبات الحدود، عن مقاتل. والأول أوجه؛ لأن ما قالا يدخل فيه.
  «وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ» أي: يتجاوزون، وهذا فيما كان للعباد بعضهم على بعض، يسقط بإسقاطه، فأما في حقوق الله تعالى فليس للإمام، ولا لأحد أن يعفو عنه «وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ» أي: أجابوا فيما دعاهم إليه من الدين «وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ» أقاموها في أوقاتها بشرائطها «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ» أي: لا يعملون إلا بمشاورة أهل الدين «وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» مما أعطيناهم في وجوه البر «وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ» الظلم لا يستسلمون؛ بل يتناصرون، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وقيل: «ينتصرون» أي: ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا، عن السدي، وقيل: يتناصرون، معنى بحق يختصمون ويتخاصمون، عن أبي مسلم.
  ومتى قيل: أليس وصفوا في الآية الأولى بأنهم يغفرون؟
  قلنا: قيل: ذلك في حقوق لا قصاص [فيها]، وهذا فيما فيه قصاص، قال مقاتل: هذا في الجروح يقتص، وقيل: ذلك في حقوق نفسه؛ كالأموال والحقوق، وهذا في حقوق الله تعالى، يفعله على سبيل الأمر بالمعروف، والكف على يد الظالم، وقيل: إذا غضب لدينه انتصر، وإذا غضب لدنياه وفي حقوق نفسه غفر «وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا» ذكر في الآية الأولى ما يجب على الكافة من التناصر في دفع الظلم وإزالته، وذكر في هذه الآية ما هو حق المُسَاءِ إليه من المقاصد، والسيئة الأولى: الفعل القبيح، والظلم الذي يسوء غيره، والثاني: جزاؤه، وسمي الجزاء على الشيء، باسم الشيء، وإن كان الثاني حسنًا كقول الشاعر: