التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين 193}

صفحة 793 - الجزء 1

  وسمي الجزاء على الشيء باسمه، كقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ}.

  والفتنة: الكفر ههنا سمي بذلك؛ لأنه يؤدي إلى الهلاك، كما تؤدي إليه الفتنة، عن أبي علي. وقيل: لأنه أظهر الفساد عند الاختبار.

  والدين: العادة، والدين: الطاعة، والدين: ما يتدين به.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى غاية وجوب القتال، فقال تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ» أمر المؤمنين بقتال المشركين «حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ» يعني شرك، وقيل: لا تكون حرب فتركوا القتال، عن أبي مسلم. «وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ» الطاعة والانقياد لأمره. وقيل: يكون الدين دين الإسلام فيظهر على جميع الأديان «فَإِنِ انتَهَوْا» امتنعوا عن الكفر والشرك «فَلاَ عُدْوَانَ» أي: لا سبيل ولا جزاء «إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ» قيل: على المشركين، عن قتادة والربيع وعكرمة.

  وقيل: لا ابتداء بالقتال، عن مجاهد والسدي.

  · الأحكام: تدل الآية على وجوب القتال، وقيل: إنها ناسخة لما قبلها؛ لأنه أمر بالقتال، وإن لم يَبْدَؤُوا لكيلا يكون كفر، عن أبي علي. وقيل: ليس بمنسوخ، ولكن إذا ابتدؤوا بالقتال في الحرم يجب مقاتلتهم حتى يزول الكفر. وقيل: هو تأكيد لما تقدم، عن أبي مسلم.

  وتدل على أن كل من تاب زال وجوب قتله، ومن ثبت على كفره يجب قتاله، وكان يجوز أن يُظَنَّ أن بعضهم إذا تاب زالت المقاتَلَة، فَبَيَّنَ لكل واحد حكمًا بنفسه.

  وتدل على أن العقوبة لا يستحقها إلا الظالم لنفسه، فيبطل قول من يقول: إنه غير مستحق، وإنه لا يحسن عقاب كل أحد.