قوله تعالى: {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور 48 لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور 49 أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير 50 وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم 51 وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم 52 صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور 53}
  ذلك «وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً» أي: نعمة، وسماها ذوقًا؛ لأنه قليل بالإضافة إلى مقدورات الله تعاَلى «فَرِحَ بِهَا» عجبًا وبطرًا، ولم يشكر المنعم، «وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ» أي: ما يسوؤهم من مرض أو فقر «فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ» بعد المصيبة، ويجحد النعمة، فحاله بخلاف حال المؤمن إذا أصابته نعمة شكر، أو محنة صبر وعلم أن جميع ذلك من مصالحه.
  ثم بَيَّنَّ تعالى أن النعم كلها منه، فقال تعالى: «لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» أي: القادر على إحداثهما وإمساكهما، وتسكينهما «يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ» من أنواع الجواهر والأعراض والجنين في الأرحام والبيض «يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا» فلا يولد له ذكر، «وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذّكُورَ» البنين، «أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وِإنَاثًا» أي: يولد [له] الابن والابنة، وقيل: يجعل حمل المرأة مرة ابنًا ومرة ابنة، عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، والضحاك، والسدي، وقيل: يجتمع في الرحم الذكر والأنثى، فيكونان توأمين، عن محمد بن الحنفية، وقيل: مقترنين زوجين. «وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ» من الرجال والنساء «عَقِيمًا» لا يلد ولا يولد له «إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ» قيل: عليم بما في الأرحام، قادر على جعله فيها كما يشاء، وقيل: عليم بالمصالح يهب لكل أحد ما هو أصلح له، وهو قادر على ذلك، وقيل: عالم بالأشياء قبل كونها وبعد كونها، قادر على تكوينها وإفنائها كما شاء.
  ثم بَيَّنَّ أن من أنواع ذلك: الوحي، فقال - سبحانه -: «وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ» فكلام الله تعالى لعباده على ثلاثة أوجه:
  الأول: الوحي، وإن كان جميعًا وحيًا، وقيل: أراد بالوحي الإلهام، وقيل: هو إلقاء الخواطر وإقامة الأدلة، وشرع الاستدلال، كما فعل إبراهيم في قوله: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[الأنعام: ٧٥] عن أبي مسلم، وقيل: الإلهام من