قوله تعالى: {أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين 16 وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم 17 أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين 18 وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون 19 وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون 20 أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون 21}
  ثم كذبهم في ذلك، فقال: «إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ» أي: يكذبون، ثم أكد ذلك فقال - سبحانه -: «أَمْ آتَينَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ» أي: من قبل القرآن «فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ»، وهذا استفهام والمراد الإنكار، أي: ما أنزلنا كتابًا، وآتينا: أعطيناهم كتابًا يتمسكون به، ويرجعون فيما يدينون به إليه. وقيل: هذا يتصل بقوله: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} يعني قولهم: الملائكة إناث: غلط منهم؛ لأنهم لم يشهدوا خلقهم، ولا نص عليه في كتاب ولا دليل في العقل. وقيل: بل يتصل بقوله: {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} يعني إضافة الكفر إلى مشيئة الله لا حجة عليه عقلاً، ولا نص عليه في كتاب، وإنما هو كذب اخترصوه.
  · الأحكام: تدل الآيات على أنهم أخطؤوا في الدين من وجوه:
  منها: إضافة الولد إلى الله، وذلك لا يجوز؛ لأنه من صفة الأجسام.
  ومنها: أنهم أضافوا البنات إليه، وإنما اختار لنفسه الأدون، وهذا ينافي الحكمة.
  ومنها: أنهم أضافوا إلى ربهم ما لو أضيف إليهم لكرهوه، فتدل على أنه لا يجوز إضافة القبائح إلى خَلْقِهِ وإرادته.
  ومنها: أن الخصام في الدين وبيانه مَدْحٌ، فإذا لم تكن هذه صفة البنات كيف أضافوها إليه؟
  ومنها: أنهم جعلوا الملائكة إناثًا.
  ومنها: أنهم زعموا جميع ذلك بلا حجة ومشاهدة، أو خبر أو دليل.