قوله تعالى: {أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين 16 وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم 17 أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين 18 وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون 19 وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون 20 أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون 21}
  وَجْهُهُ مُسْوَدًّا» في ذلك مبالغة في الكراهة، وهذا تَوَسُّعٌ، والمراد به يسوؤه ما يسمع حتى تتغير سَوْأَتُهُ ولونه، بخلاف ما بشر، فتهلل وجهه «وَهُوَ كَظِيمٌ» مملوء كربًا وغيظًا.
  ثم بَيَّنَ قصور حال النساء، فقال - سبحانه -: «أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ» في زينة النساء «وَهُوَ فِي الْخِصَامِ» في المنازعات والخصومات في أمور الدين والدنيا «غَيرُ مُبِينٍ» أي: لا يبين ولا يظهر الحجة لضعفهن، وذكر أنه في مصحف ابن مسعود: (وفي الكلام غير مبين) ويحمل على أنه فسر به.
  واختلفوا في المراد به، فقيل: أراد به النساء، عن قتادة، وأبي مسلم، وأبي علي، وقيل: أراد الأوثان كانوا يعبدونها وهي لا تتكلم، وقيل: تماثيلهم المضروبة من ذهب وفضة، عن ابن زيد. «وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا» أي: الملائكة بنات الله «أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ» أي: أَحَضَروا خَلْقَ الملائكة حتى شهدوا أنهم بنات؟ وقيل: شهدوا صورتهم وخلقهم فعلموا أنهم إناث عن أبي مسلم. «سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ» فيما زعموا «وَيُسْأَلُونَ» عنها يوم القيامة، وهو سؤال توبيخ، وقيل: تعجيز عن إيراد حجة على ما فعلوه.
  وكما بَيَّنَ تعالى خطأهم في التوحيد بَيَّنَ خطأهم في العدل، فقال - سبحانه -: «وَقَالُوا» يعني الكفار «لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ» أي: لو شاء ألا نعبدهم ما عبدناهم بمشيئته، واختلفوا فقيل: عبدناهم يعني الملائكة، عن قتادة، ومقاتل، والكلبي، وأبي مسلم، وقيل: الأوثان، عن مجاهد. «مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ» أي: لم يقولوا ذلك عن حجة وعلم، أشار أن ذلك باطل لما لم يقدر على دليل وعلم.