التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون 26 إلا الذي فطرني فإنه سيهدين 27 وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون 28 بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين 29 ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون 30 وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم 31 أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون 32}

صفحة 6299 - الجزء 9

  أحدها: جعلوا العظم بالمال والجاه.

  والثاني: جعلوا إليهم الاختيار في المبعوث.

  والثالث: لم يعرفوا الغرض بالبعثة، وأنه للاستصلاح، فيبعث من يصلح له.

  «أَهُمْ يَقْسِمُونَ» استفهام والمراد الإنكار، أي: ليس إليهم قسمة الرحمة حتى يجعلوا النبوة لمن شاءوا «رَحْمَتَ رَبِّكَ» أي: رزقه ونعمته بين عباده دينًا ودنيا «نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»؛ يعني لم نرض قسمتهم أسباب الدنيا؛ لأنهم لا يصلحون لها، ومن لا يصلح لقسمة دنياه كيف يصلح لقسمة النبوة؟ فنحن قسمنا ذلك بينهم بحسب ما علمناه من مصالحهم، فبعضهم غني، وبعضهم فقير، وبعضهم مالك، وبعضهم مملوك «وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ» في المال والقوة والحرية «لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا» قيل: ليخدم بعضهم بعضًا، وقيل: هو تسخير الفقير للغني بماله، وأرباب الحاجات لأصحاب الصناعات بصناعتهم، يستعملونهم بأموالهم ويستخدمونهم فيكون سببا لمعاش هذا بماله، ونفع هذا بأعماله، وكل واحد يحتاج إلى صاحبه من وجه، عن السدي، وابن زيد. وقيل: ليملك بعضهم بعضًا، ويتخذهم عبيدًا، عن قتادة، والضحاك. «وَرَحْمَتُ رَبِّكَ» قيل: ثواب الآخرة، وقيل: الجنة «خَيرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» من أموال الدنيا؛ لأنها باقية وهذا فانٍ، وقيل: رحمة الله بالنبي لما أعطاه من النبوة «خَيرٌ» من أموالهم التي جمعوها، عن أبي مسلم.