التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون 41 أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون 42 فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم 43 وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون 44 واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون 45}

صفحة 6311 - الجزء 9

  واختلفوا في المسؤول، قيل: هم مؤمنوا أهل الكتابين، عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي، وعطاء، ومقاتل، قالوا: وفي قراءة ابن مسعود: «واسأل الَّذِينَ أرسلنا إليهم قبلك من رسلنا»، وتقديره: سل أمم من أرسلنا من قبلك، وقيل: المسئول هم أهل الكتاب أمم الأنبياء، وإن كانوا كفارًا؛ لأن تواتر خبرهم تقوم به الحجة، عن أبي علي، وأراد أن يخبروا المشركين بأن الأنبياء دعوا إلى التوحيد، فكيف ينكرون ذلك، وقيل: المسؤول الأنبياء أنفسهم، وجُمِعوا له ليلة أسري به إلى بيت المقدس، عن سعيد بن جبير، وابن زيد، وقيل: أراد: سل عمن أرسلنا، وعن كتبهم، وآثارهم، كقوله: {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}⁣[الإسراء: ٣٤] أي: مسؤولاً عنه، عن أبي مسلم، أي: ارجج إلى أخبار الأنبياء وكتبهم وآثارهم، هل كان فيه عبادة الأصنام، وقيل: المسؤول جبريل، أي: سل من أرسلناه، وأقيم مقام (إلى)، وقيل: المراد بالسؤال المطالبة بالحجة، يقال: سألت فلانًا حقي؛ أي: طالبته به، أي: طالبهم بالحجة على تصحيح قولهم، وقيل: ليس المراد السؤال، وإنما أراد تقرير التوحيد في النفوس بذكر اجتماع الرسل على التوحيد «مَنْ أَرْسلنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ» أي: أأمرنا بعبادة غيره؟ هو استفهام، والمراد الإنكار، أي: لم يبعث نبيًّا إلا ودعا إلى التوحيد، ونهى عن خلافه.

  · الأحكام: يدل قوله: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} أن المعلوم قد يكون مطلقًا، وقد يتعلق بشرط، فأعلم تعالى أنه لو فعل بهم في حياته كيف يكون؟ وأعلم أنه لو لم يفعل كيف كان يكون؛ لأنه بيق أنه منتقم منهم في حياته، فإن لم ينتقم فَبَعْدَ وفاته.

  ويدل قوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ} أن القرآن تعرف به الأحكام.