قوله تعالى: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين 46 فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون 47 وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون 48 وقالوا ياأيه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون 49 فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون 50 ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون 51 أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين 52 فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين 53 فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين 54 فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين 55 فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين 56}
  أبي علي، وقيل: بل كذب عليه تلبيسًا على العوام، وقيل: قال ذلك استثقالاً لكلامه، كقولهم: لا أدري ما تقول، وقيل: كان في لسانه آفة، عن قتادة، والسدي.
  وقيل: سماه مهينًا وغير مبين استخفافًا لا حقيقة، وإلا فهو كان من أكابر بني إسرائيل، ويدعي النبوة، ويظهر المعجزة، وقد أفصح وَبَيَّنَ، والعجب أن موسى # دعاهم إلى عبادة الله تعالى، وأظهر الحجج، وهو أورد حديث موسى، وذكر ما ينفرهم عن اتباعه لفقره، وأعجب عنه يريهم الفضل بأسباب الدنيا، وموسى يريهم الفضل بأسباب الدين، ولو عقلوا لقالوا: هذا الذي تذْكُرُ وتعد لا يوجب كونك محقًا، ولكن لَبّسَ عليهم فضلوا «فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيهِ أَسْوِرَةٌ» يعني هَلَّا إن كان صادقًا ألقي عليه أساورة «مِنْ ذَهَبٍ» قيل: كانوا إذا سوّدوا رجلاً سوّروه بسوار من ذهب وطُوِّقَ بطوق من ذهب يكون دلالة لسيادته؛ فلذلك قال هذا، عن مجاهد، والسوار الزينة التي تلبس في اليد، «أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ» قيل: إنما ذكر أمر الملائكة لما كان يسمع من موسى من ذكرهم تكذيبًا له، عن أبي مسلم. «مُقْتَرِنِينَ» قيل: متتابعين، عن قتادة، وقيل:
  يعاون بعضهم بعضاً، عن السدي، وقيل: مجتمعين يمشون معه، عن مجاهد، يعني يشهدون له بالرسالة، ويؤدون معه، وهذا من اقتراح الجهال، فإن الملك إن كان لا يُرَى فلا فائدة فيه، وإن كان يُرَى فلا بد من معجز يعلم أنه ملك، فيكفي المعجز في معرفة الرسول عن المَلَكِ «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ» يعني القبط وأتباعه، وقيل: حملهم على الخفة والجهل، وقيل: وجدهم جهالاً خفيفي العقول، ولولا ذلك ما أطاعوه، وقيل: استخفهم أي: خفوا في طاعته «فَأَطَاعُوهُ» وقيل: كانوا يخافون منه اتباع موسى فأطاعوه، وقيل: قبلوا منه مخاريقه، ولم يقبلوا من موسى حقائقه، وهكذا حال العوام الجهال في كل زمان، «إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ» خارجين عن طاعة الله تعالى إلى الكفر «فَلَمَّا آسَفُونَا» قيل: أغضبونا، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وابن زيد، والله تعالى يغضب على العصاة، ويرضى عن المطيعين، وقيل: آسفوا