التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين 46 فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون 47 وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون 48 وقالوا ياأيه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون 49 فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون 50 ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون 51 أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين 52 فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين 53 فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين 54 فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين 55 فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين 56}

صفحة 6318 - الجزء 9

  رسلنا، وأضافهم إلى نفسه تعظيمًا لشأنهم، والأسف: الحزن، والتأسف لا يجوز على الله تعالى، وقيل: الأسف غضب بعد طول الحلم والإمهال، ففيه زيادة صفة على الغضب؛ ولذلك قال تعالى في قصة موسى: {غَضْبَانَ أَسِفًا}⁣[طه: ٨٦] وقيل: خالفونا، عن الحسن بن الفضل، وليس بالظاهر في اللغة، إلا أن يحمل على أنهم خالفوا أمرنا، وفعلوا ما يوجب الأسف، وفي هذا تعسف «انتَقَمْنَا مِنْهُمْ» أي: عاقبناهم بسوء فعلهم جزاءً، وقيل: انتقمنا لأوليائنا منهم «فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ» لم ينج منهم أحد «فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا» قيل: سلفًا للأمم؛ لأنهم تقدموهم وقد ماتوا على الكفر فهم سلف لهَؤُلَاءِ، عن أبي مسلم. وقيل: سلفًا لكفار هذه الأمة إلى النار، ومثلاً لمن يجيء بعدهم من، هَؤُلَاءِ يكون مثل حالهم يتقدمون إليها، وقيل: سلفًا يعتبر بهم «وَمَثَلاً» وعبرة وعظة، عن قتادة، والسدي. «لِلآخِرِينَ» قيل: لمن جاء بعدهم، وقيل: لأمة محمد ÷ يتعظون به.

  · الأحكام: يدل قوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أنه أراد من الجميع الرجوع إلى الحق، فيبطل قول الْمُجْبِرَة في الإرادة والمخلوق؛ لأنه لو خلق فيهم الكفر وأراده لم يكن لبعثة الأنبياء وإظهار المعجزات فائدة؛ بل كان عبثًا، فتعالى الله عن ذلك.

  ويدل قوله: {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} أنَّهم يقدرون على الاهتداء.

  ويدل قوله: {يَنْكُثُونَ} أن النكث فعلُهم.

  ويدل قوله: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} أن القوم كانوا جهالاً اعتقدوا الفضل بزينة الدنيا، ولم يعلموا أنها قسمة وليست باستحقاق، وعن أبي الدرداء: «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى منها فرعون شربة».

  ويدل قوله: {سَلَفًا وَمَثَلًا} على وجوب التفكر في أحوالهم والاتعاظ بهم؛ لئلا يسلك طريقتهم، فيناله ما نالهم.