التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون 74 لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون 75 وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين 76 ونادوا يامالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون 77 لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون 78 أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون 79 أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون 80}

صفحة 6330 - الجزء 9

  ونَجِيٌّ جَمْعُهُ أَنْجِيَة، والنجوى: اسم يقوم مقام المصدر، وقيل: نَجِيٌّ جمع ناجٍ، مثل نادٍ ونَدِيٍّ لأهل المجلس، ونجوت: خلصت.

  · المعنى: لما تقدم ذكر ما وعد المتقين عقبه بوعيد المجرمين على عادته تعالى في الجمع بين الوعد والوعيد، فقال - سبحانه -: «إِنَّ الْمُجْرِمِينَ» قيل: المشركين، وقيل: كل مذنب ومجرم «فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ» دائمون «لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ» أي: لا يخفف عنهم العذاب «وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ» أي: في العذاب آيسون من الفرج، متحيرون في العذاب «وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ» أي: ما عاقبناهم بغير ذنب فيكون ظُلمًا «وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ» لأنفسهم حين عصوا الله فاستحقوا العقاب «وَنَادَوْا» يعني المجرمين الَّذِينَ هم أهل النار «يَا مَالِكُ» هو خازن النار، والموكل بعذاب أهلها مع أعوانه من الملائكة «لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ» أي: ليحكم علينا بالموت لنستريح من العذاب، وهذا منهم على وجه التمني والاستغاثة، وإلا فهم علموا ضرورة أنه تعالى لا يجيبهم إلى ذلك، ف «قَالَ»: يعني مالك: «إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ» أي: مقيمون في العذاب، وقيل: أجابهم بعد ألف سنة، عن ابن عباس، والسدي، والأعمش، وقيل: بعد أربعين عامًا، عن عبد الله ابن عمر، وقيل: بعد مائة عام، عن نوف. «لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ» أي: أتيناكم بالحق، قيل: هذا حكاية من كلام مالك، عن أبي علي، وإنما أضاف الآية إلى نفسه؛ لأنه من جملة الملائكة الَّذِينَ يأتون بالوحي، وقيل: بل هو كلام الله تعالى ابتداء بهذه الأمة يرجع إليهم في الخطاب، عن أبي مسلم. «بِالْحَقِّ» أي: بالدين الحق، والكتب المنزلة، والأدلة الظاهرة «وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ» قيل: ألفوا الباطل وكرهوا