التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {حم 1 والكتاب المبين 2 إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين 3 فيها يفرق كل أمر حكيم 4 أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين 5 رحمة من ربك إنه هو السميع العليم 6 رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين 7 لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين 8}

صفحة 6344 - الجزء 9

  محمدًا إلى الخلق «رَحْمَةً» قيل: أنزلناه رحمة، وقيل: أرسلناه. رحمة، وقيل: فعلنا ذلك في هذه الليلة رحمة، وقيل: الرحمة: النعمة العظيمة.

  ومتى قيل: إذا قال مباركة ورحمة، فكان يجب بأن تكون كلها خيرا، فَلِمَ قال: «مُنْذِرِينَ»؟

  قلنا: لأن فيها كما تقسم الأرزاق والنعم، تقسم الآجال والموت، فحذر بذلك؛ لئلا يأتيه بغتة ليتأهب له، وذلك أيضًا رحمة منه.

  «إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ» لما يقوله المحق والمبطل عند إرسال الرسل «الْعَلِيمُ» بالخلق يرسل مَنْ يصلح «رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا» يعني خالقهما ومالكهما «إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ» قيل: أَيْقِنُوا أن الله ربكم، وأن محمدًا رسوله، والقرآن تنزيله، وقيل: معناه إن كنتم تطلبون اليقين وتريدونه، وإنما أراد إيجاب العلم والمعرفة، كقولهم: فلان مُنْجِدٌ ومُتْهِمٌ، يريد نجدًا وتهامة، عن أبي مسلم. «لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ» أي: هو المختص بالقدرة على الموت والحياة «رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ» أي: خالق الجميع.

  · الأحكام: يدل قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} على حدوث القرآن.

  ويدل قوله: {فِي لَيْلَةٍ} أنَّه اختص إنزاله بتلك الليلة.

  ويدل قوله: {فِيهَا يُفْرَقُ} على اختصاص تلك الليلة بتدبير الله أمر عباده، وقسمة الآجال، وما يكون في تلك السنة من الحوادث، وإنما فعل ذلك مصلحة للملائكة، وفي الخبر عنه مصلحة لنا.

  ويدل قوله: {مُوقِنِينَ} أن فيهم من لا يوقن، وذلك يبطل قول أصحاب المعارف.