التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {حم 1 والكتاب المبين 2 إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين 3 فيها يفرق كل أمر حكيم 4 أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين 5 رحمة من ربك إنه هو السميع العليم 6 رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين 7 لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين 8}

صفحة 6343 - الجزء 9

  القرآن من الحروف التي يتكلمون بها، وعجزوا عن مثلها، أو إشارة إلى حدث القرآن، أو مفاتيح أسماء الله تعالى «وَالْكِتَاب الْمُبِينِ» قيل: أقسم بالكتاب وهو القرآن، وسورة (حم)، وقيل: برب الكتاب ومنزله، عن أبي علي، ثم وصف الكتاب فقال: «المبينِ» الذي يبين الأحكام، والمبين هو الله تعالى، إلا أنه لما بين في الكتاب أضاف إليه توسعًا، وقيل: بَيَّنَ مصالح المخلوق وما يحتاج إليه في الدين «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ» يعني القرآن «فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ» قيل: ليلة القدر، عن ابن عباس، وقتادة، وابن زيد، وأبي علي، وأبي مسلم، وقيل: ليلة النصف من شعبان، عن عكرمة، والأول أوجه.

  واختلفوا فقيل: أنزل إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم أنزل نجومًا على النبي ÷، وقيل: ابتدأ بإنزاله في ليلة القدر «مُبَارَكَةٍ»؛ لأن فيها يقسم الله تعالى نعمه بين عباده من السنة إلى السنة، وقيل: يعفو ويقسم الرزق، عن ابن عباس.

  «إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ» مخوفين لهم؛ أي نقضي لهم بالعقاب، وقيل: مخوفين بما بَيَّنَّا في الكتاب من تعذيب العصاة، عن أبي علي، وقيل: أنزلنا الكتاب إنذارًا به، عن أبي مسلم. «فِيهَا» أي: في هذه الليلة «يُفْرَقُ» يقضى ويفصل «كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» قيل: يبرم في ليلة القدر من شهر رمضان كُلُّ أَجَلٍ وعمل ورزق، وما يكون في تلك السنة، عن الحسن، وقتادة، ومجاهد، وقيل: يفعل ذلك ليلة النصف من شعبان، عن عكرمة. «أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا» يعني الفصل يكون بأمرنا، وقيل: بفعلنا، والأمر يكون بمعنى الفعل، وقيل: أمرًا أردنا بإرسال الرسل، عن أبي مسلم. «إِنَّا كنَّا مُرْسِلِينَ» قيل: مرسلين بذلك إلى رسول الله ÷، عن أبي علي. وقيل: مرسلين الأنبياء إلى الخلق على حسب المصلحة، وقيل: مرسلين الملائكة إلى الأنبياء، وقيل: مرسلين