التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {بل هم في شك يلعبون 9 فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين 10 يغشى الناس هذا عذاب أليم 11 ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون 12 أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين 13 ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون 14 إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون 15 يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون 16}

صفحة 6347 - الجزء 9

  ولا غشيهم دخان، [ولكن] ليبوسة الهواء يتراءى لهم الغبار دخانًا لشدة الجوع، ويدل عليه قوله: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} واليقين يحصل يوم القيامة لا في الدنيا «يَغْشى النَّاسَ» أي: يعمهم ويسترهم «هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ. رَبَّنَا اكْشِفْ» يعني ويقولون: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ}، وقيل: إن أبا سفيان تضرع إلى النبي ÷ حتى دعا، فكشف الله ذلك. «أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى» قيل: كيف لهم الذكرى والاتعاظ، عن ابن عباس، وقيل: لا تنفعهم التوبة في الآخرة بعد زوال التكليف، عن الحسن، هذا إن حمل الدخان على أنه يكون بعد زوال التكليف، وإن حمل على الدنيا، فمعناه لا يتذكرون، ولا يتعظون «ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ» أي: أعرضوا عن محمد ÷ «وَقَالُوا» هو «مُعَلَّمٌ» يعلمه بشر، وليس بمنزل «مَجْنُونٌ» أي: تعترضه الجن بما يزول به عقله، واعتقدوا في الجن ما يعتقده العوام، عن أبي علي، فقال - سبحانه -: «إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ» قيل: في العذاب، عن قتادة، وقيل: في الضلال، عن أبي علي وجماعة. فمن ذهب إلى أن الدخان في القيامة قال: عائدون في العذاب، ومن ذهب إلى أنه في الدنيا مع بقاء التكليف قال: عائدون في الضلال. «يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى» أي: نأخذ الأخذ الأعظم، قيل: هو في يوم بدر، عن ابن مسعود، ومجاهد، وابن عباس، وأبي العالية، وأبي بن كعب، والضحاك، وابن زيد، وقيل: هو يوم القيامة، عن ابن عباس، والحسن، وأبي علي، وأبي مسلم، وهو الأوجه؛ لأن البطش الشديد يكون فيه «إِنَّا مُنتَقِمُونَ» أي: نعذبهم جزاء أعمالهم.

  · الأحكام: يدل قوله: {بَل هُمْ فِي شَكٍّ} على بطلان قول أصحاب المعارف.

  ويدل قوله: {فَارْتَقِبْ} على وعد المؤمنين، ووعيد الكفار.

  وتدل الآية أن من أشراط الساعة الدخان.