قوله تعالى: {كم تركوا من جنات وعيون 25 وزروع ومقام كريم 26 ونعمة كانوا فيها فاكهين 27 كذلك وأورثناها قوما آخرين 28 فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين 29 ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين 30 من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين 31 ولقد اخترناهم على علم على العالمين 32 وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين 33}
  والنَّعْمة بفتح النون: التنعم والتلذذ، والنِّعْمة بكسر النون: هي المنفعة التي يستحق بها الشكر.
  والمسرف: المجاوز للحد، والسَّرَف ضد القصد.
  والاصطفاء والاجتباء والاختيار نظائر.
  والبلاء: النعمة، والبلاء: الشدة، وهو من الأضداد.
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى حال قوم موسى وقوم فرعون بعد هلاك فرعون، فقال - سبحانه -: «كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ» إشارة إلى التكبر، يعني لما أهلكنا آل فرعون تركوا بساتين كثيرة، وأموالاً جمة «وَعُيُونٍ» جارية «وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ» قيل: مجلس شريف، وقيل: مقام الملوك والأمراء، وقيل: المنازل الحسنة، عن قتادة، وقيل: المنابر ومجالس الملوك، عن مجاهد، وسعيد بن جبير، والمقام موضع الإقامة، وإنما يستعمل في الغالب في مقام الجَمَال والهيئة، وقيل: المقام المزخرف بالزينة المأهولة بكثرة الحشم والخدم «وَنَعْمَةٍ» أي: غبطة وسرور وعيش كما «كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ» قيل: لاعبين ناعمين، وقيل: ضاحكين مستبشرين «كَذَلِكَ» قيل: كذلك كان الأمر فيهم، وقيل: كذلك فعلنا بهم ونفعل بأمثالهم، وقيل: كذلك كان المال والجاه فيهم، وقيل: كذلك نفعل بمن نهلكه وننتقم منه، عن أبي علي، وقيل: كذلك يكون حال الكفرة والظلمة، يجمعون من غير حِلِّهِ، وينفقون في معصية الله، ثم يتركونها لمن لا يمدحهم «وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ» أي: أعطيناها بني إسرائيل، عن قتادة، فلما قاموا مقامهم سماه إرثًا، قال الحسن: رجع بنو إسرائيل إلى مصر بعد هلاك فرعون، وحازوا أموالهم «فَمَا بَكَتْ عَلَيهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ» فيه عشرة أقوال:
  أولها: قيل: أهل السماء والأرض؛ لأنهم لما عصوا الله، وغضب عليهم صاروا