التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {كم تركوا من جنات وعيون 25 وزروع ومقام كريم 26 ونعمة كانوا فيها فاكهين 27 كذلك وأورثناها قوما آخرين 28 فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين 29 ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين 30 من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين 31 ولقد اخترناهم على علم على العالمين 32 وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين 33}

صفحة 6354 - الجزء 9

  في موضع جزاء لا في موضع ترحم فيبكى عليهم، قال الحسن وأبو علي: ما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون؛ بل كانوا بهلاكهم فرحين مسرورين.

  وثانيها: لو كانت السماء والأرض ممن يبكي على أحد لم تَبْكِ على هَؤُلَاءِ؛ لأنهم ليسوا ممن يُحْزَنُ عليهم؛ بل يفرح بهلاكهم.

  وثالثها: أنه لم يَبْكِ عليهم ما يبكي على المؤمن إذا مات من مُصَلَّاهُ ومَصْعَدِ عَمَلِهِ، عن ابن عباس، وسعيد بن جبير. يعني لم يك موضع طاعة يظهر حاله عند موته، والمراد ظهور الحال؛ لأن الجماد لا يبكي.

  ورابعها: كان أمرهم أهون من أن يبكي عليهم باكٍ، يعني لم يكن هلاكهم حزنًا على أحدٍ، عن أبي مسلم، فهو مَثَلٌ في تحقير المصيبة، وتَوَسُّعٌ في الكلام.

  وخامسها: أنه كان يدعي الإلهية، فلما هلك لم يترك سماء ولا أرضًا، كما يقال: مات فلان ولم يترك ولدًا يبكي عليه، يعني لم يترك ولدًا أصلاً.

  وسادسها: لم تمطر عليهم سحابة، ولا نبت لهم نبات، ولا جرت العيون في بساتينهم؛ بل صارت كلها لغيرهم، وهم همود تحت التراب، فالبكاء عبارة عن المطر والنبات.

  وسابعها: ما بكت عليهم؛ يعني ما لحقهم رحمة، والعرب تدعو للميت، تقول: سقته الغوادي، وسقاه المزن، ويريدون به الرحمة.

  وثامنها: قال عطاء: بكاء السماء والأرض حُمْرَةُ أطرافها، قال السدي: لما قتل الحسين بن علي #، بكت عليه السماء، وبكاؤها حمرتها، وعن ابن سيرين: أن الحمرة التي مع الشفق لم تكن حتى قتل الحسين.

  وتاسعها: أي: لم ينتصر لهم، ولا طلب بثأرهم، كما يفعل قوم من العرب في