التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن هؤلاء ليقولون 34 إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين 35 فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين 36 أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين 37 وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين 38 ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون 39}

صفحة 6358 - الجزء 9

  عائشة، وقيل: هو الذي كسا البيت، عن سعيد بن جبير، وعن النبي ÷: «لا تسبوا تبعًا فإنه قد كان أسلم»، وإنما ذكر تُبَّعًا؛ لأنهم عرفوا أخباره لانتشاره، وقرب زمانه، ومكانه منهم، وكان أتى مكة والمدينة والطائف، وأجرى أنهارا، وأثر آثارًا، وفتح بلادًا. «وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» من الأمم الماضية «أَهْلَكْنَاهُمْ» لما كفروا و «كَانُوا مُجْرِمِينَ» مذنبين كافرين، فليحذروا أن ينالهم مثل ما نال أولئك، وقيل: لولا أن أكثر أهل مكة آمنوا لكان يحل بهم ما حل بقوم تبعٍ.

  ثم بَيَّنَ الدلالة على صحة البعث ووجوبه، فقال: «وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ» عابثين، يعني لو لم يكن الجزاء مع التخلية في الدنيا لكان جميع ذلك عبثًا، وإنما خرج من كونه لعبًا؛ لأنه خلقهم للتكليف، ويبعثهم للجزاء، وقيل: «مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ» قيل: إلا بداعي الحكمة، وقيل: إلا على الحق الذي يستحق به الحمد دون الباطل الذي يستحق به الذم، وقيل: للحق الذي صار إليك في دار الجزاء أي: الحسن، وقيل: إلا لغرض صحيح، وهو أن يطيعوه، فيستحقوا الثواب «وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» الحق لتركهم النظر، وقيل: لا يعلمون الغرض الذي له خلقنا الأشياء.

  · الأحكام: تدل الآيات على جهل القوم في إنكار البعث، ولو تفكروا لعلموا أن من يقدر على ابتداء الأجسام يقدر على إعادتها.

  ويدل أن ما خُلِقَ إنما خلق بالحكمة، وأن الباطل ليس مِنْ خَلْقِهِ، ولا يكون كذلك إلا وفيه غرض صحيح.