التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين 40 يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون 41 إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم 42 إن شجرت الزقوم 43 طعام الأثيم 44 كالمهل يغلي في البطون 45 كغلي الحميم 46 خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم 47 ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم 48 ذق إنك أنت العزيز الكريم 49 إن هذا ما كنتم به تمترون 50}

صفحة 6362 - الجزء 9

  رحم الله، فأذن له في الشفاعة، «إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ» الغالب القادر الذي لا يمتنع عليه شيء، وهو مع ذلك رحيم، رحم عباده، وينيل بعضهم نفع بعض في الشفاعة.

  ولما كان الفصل للقضاء بين المحق والمبطل، بَيَّنَ ما لكل واحد منهما، فذكر ما أعدَّ لأهل جهنم، فقال - سبحانه -: «إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ» وهي شجرة طلعها يأخذ بحلوقهم، ويحرق أجوافهم، وقد تقدم ذلك «طَعَامُ الْأَثِيمِ» أي: طعام الفاجر العاصي.

  ثم وصف الشجرة فقال: «كَالْمُهْلِ» قيل: ما أذيب بالنار كالفضة، عن ابن عباس، وابن مسعود، وقيل: المهل دُرْدِيُّ الزيت، عن ابن عباس بخلاف «يَغْلِي فِي الْبُطُونِ. كَغَلْيِ الْحَمِيمِ» الماء الحار المنتهي في الحرارة «خُذُوهُ» أي: ويقال: خذوا الأثيم «فَاعْتِلُوهُ» قيل: بشدة وعنف وجروه إلى الجحيم، وقيل: ادفعوه بسوقه إلى النار «إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ» أي: وسط النار، عن قتادة. «ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ» الماء الحار، ثم يقال له: «ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ» قيل: هو تهجين، أي: أنت الذي ادعيت بالعز والكرم، وما كنت كذلك، وقيل: أنت العزيز في قومك، الكريم عليهم، فاليوم أنت في هذا الهوان، لا ينصرك منهم أحد، وقيل: هو على النقيض، كأنه قيل: أنت الذليل المهان، إلا أنه قيل ذلك على وجه التبعيد منه، استخفافًا به، وقيل: أنت الذي كنت تطلب العز في قومك، والكرم بمعصية الله تعالى، «إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ» أي: تَشُكُّون ولا تؤمنون به، فقد رأيتموه عيانًا.