التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون 12 وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون 13 قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون 14 من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون 15}

صفحة 6379 - الجزء 9

  كما يقال: دعني وفلانًا، عن أبي مسلم. «لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ» قيل: لا يرجون نعمة الله وثوابه في الآخرة، عن أبي علي، وقيل: لا يخافون عقابه ونقمته بالعُصَاةِ، وقيل: لا يرجون في الدنيا نصرته، ولا في الآخرة جنته، عن أبي مسلم. «لِيَجْزِيَ قَوْمًا» أي: ليكافئهم؛ فإن الله يجازيهم بما يستحقونه «بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» أي: بما يعملون «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ» أي: منافعه تعود عليه «وَمَنْ أَسَاءَ» أي: بمعصيته «فَعَلَيهَا» أي: وبالها عليه «ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ» أي: إلى الموضع الذي يحكم فيه بين عباده لا حكم لأحد سواه، فيجازي كل أحد بعمله.

  · الأحكام: تدل الآيات على أنه سخر البحر وما في السماوات والأرض لمنافع خلقه، وذلك هو الغرض فيه، بخلاف قول الْمُجْبِرَةِ.

  ومتى قيل: كيف التسخير، وكيف الانتفاع، ومن المقصود؟

  قلنا: تسخيره خلقه على وجه أراد ذلك، ويتعلق به منافع عباده، والانتفاع قد يقع للدين وللدنيا، والمقصود المكلفون، وما عداهم تبع لهم، خلق لأجلهم.

  ويدل قوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أنه أراد من الجميع الشكر، خلاف قولهم.

  ويدل قوله: {يَتَفَكَّرُونَ} على وجوب التفكر في الأدلة.

  ويدل قوله: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا} أنَّه تعالى أمر بالرفق معهم.

  ثم اختلفوا، قيل: إنه منسوخ، عن ابن عباس، والضحاك، وقتادة، وابن زيد، ومنهم من قال: ليس بمنسوخ؛ لأن مع وجوب القتال يصح أن يؤمر بالرفق، وحسن المقال، ويجوز أن ينهى عن القتال في حال، ويكل المجازاة إلى الله تعالى، ولأنه لما بين الآيتين فلا معنى لدعوى النسخ.

  ويدل قوله: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا} أن العقاب جزاء مستحق على الأعمال، ثم أكد