قوله تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم 11 ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين 12 إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون 13 أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون 14 ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين 15}
  ثم بَيَّنَ حال المؤمنين، فقال - سبحانه -: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ» أي: خالقنا ومالكنا الله تعالى «ثُمَّ اسْتَقَامُوا» يعني قاموا بما لزمهم عقلاً وشرعًا «فَلاَ خَوْفٌ عَلَيهِمْ» في الآخرة «وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. أُوْلَئكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا» دائمين «بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وَوَصَّينَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا» أي: أمرناه بالإحسان إليهما مراعاة لحقهما.
  ثم بين ما لهما من الحق، فقال - سبحانه -: «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ» في بطنها «وَفِصَالُهُ» فطامه، وإنما ذكر مدة الحمل ستة أشهر، ورضاعه أربعة وعشرون شهرًا، عن جماعة من المفسرين منهم ابن عباس، وقيل: حمله تسعة أشهر، وفصاله من اللبن أحد وعشرون شهرًا، عن ابن عباس، وأبي مسلم. «حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ» كمال قوته، وقيل: ثلاث وثلاثون سنة، عن ابن عباس، وقتادة، وقيل: بلوغ الحلم، عن الشعبي، وقيل: قيام الحجة، عن الحسن، وقيل: هو أربعون سنة، لذلك فسر به «وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً» يعني الولد «قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي» قيل: ألهمني، وقيل:
  معناه وفقني للعمل الصالح، وقيل: امنعني من ترك شكرك على نعمك، وقيل: الإيزاع: الإغراء بالشكر «الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ»؛ لأن النعمة على الآباء تكون نعمة على الأولاد «وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ» أي: لأعمل من الطاعات ما ترضاه «وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي» قيل: وفر لي ولذريتي العمل الصالح، فيكون دعاء للأولاد، وقيل: ارزقني ذُرِّيَّة صالحة، فيكون دعاء لنفسه «إِنِّي تُبْتُ إِلَيكَ» أي: رجعت إليك وانقطعت «وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ» أي المنقادين لله.