التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون 26 ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون 27 فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون 28 وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين 29 قالوا ياقومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم 30}

صفحة 6428 - الجزء 9

  أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى» أي: من بعد نبوته والتوراة المنزل عليه «مُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيْهِ» من الكتب، يعني يصدق أنها حق، وقيل: ورد على مصداق ما كان فيها «يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ» أي: يدل عليه ويدعو إليه «وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ» أي: قَيِّمٍ لا تناقض فيه ولا فساد.

  · الأحكام: يدل قوله: «مَكَّنَّاهُمْ» أنه أزاح العلة بوجوه التمكين، ولو كان يكلفهم ما لا يقدرون عليه لم يصح هذا الوجوب.

  ويدل قوله: «يَجْحَدُونَ» أن الجحود فعلُهم.

  ويدل قوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أنه أراد الرجوع من الجميع.

  ويدل قوله: {وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أن الإفك والافتراء فعلُهم، وليس بخلق اللَّه - تعالى -.

  ويدل قوله: {وَإِذْ صَرَفْنَا} على كون الجن مكلفين، وأنهم متعبدون بشريعة نبينا، وأنه مبعوث إليهم؛ فلذلك قرأ عليهم القرآن.

  وتدل أن منهم مؤمنين وكفارًا، وأن القوم الَّذِينَ حضروا النبي ÷ كانوا يهودًا، لذلك قالوا: {مِنْ بَعْدِ مُوسَى}، وعلى أنهم كانوا راغبين لذلك قال: {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ}، واختلفوا في مؤمني الجن، فروي عن أنس ليس لهم ثواب، ولكن يصيرون ترابًا مع البهائم، وليس هذا بصحيح؛ لأنهم مكلفون، فلا بد أن يكون لهم ثواب دائم وعقاب، وقيل: لهم ثواب وعقاب كالإنس، ويدخلون الجنة، عن الضحاك وجماعة، وهو أوجه.