التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياقومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم 31 ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين 32 أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير 33 ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون 34 فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون 35}.

صفحة 6433 - الجزء 9

  «وَلاَ تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ» أي: لا تسأل تعجيل هلاكهم في الدنيا، ولعل الحكمة في تأخيرهم، والله أعلم بالمصالح «كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ» من العذاب «لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» قيل: إن هَؤُلَاءِ وإن امتد بقاؤهم فعند رؤية العذاب لم يكن ذلك إلا لبثًا قليلاً، كساعة من نهار، وقيل: معناه لا تستعجل فكل ما هو آت قريب، وقيل: أفنيناهم بشدة ما نزل بهم من العذاب مدة لبثهم، وقيل: في جنب ما عاينوا توهموا لبثهم قليلاً، وقيل: لعظم حسرتهم ذكروا أنهم في حكم من لم يلبث إلا ساعة من نهار «بَلاَغٌ» قيل: ذلك اللبث بلاغ، أنزلهم بُلغة وكفاية؛ لأنهم علموا لمكثهم في تلك الساعة، وقصروا وفرطوا، وقيل: هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ لهم وكفاية في الوعظ، وقيل: ليس عليك إلا البلاغ، فإذا بلغت الرسالة خرجت عن الواجب، فإن كفر الكافر وفسق الفاسق فوبالهم عليهم، وليس عليك إلا البلاغ، عن أبي مسلم، وقيل: «بلاغ» أي: قليل، كما يقال: ما معه من الزاد إلا بلاغ، عن أبي علي، أي: صاروا إلى دار الحسرة، كانوا في الدنيا بمنزلة من لم يعش إلا قليلاً لا خطر لها، وقيل: لها بلاغ، أي: بُلغة من العيش يبلغون بها في دار الدنيا، عن ابن الأنباري. «فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ» الخارجون عن طاعة الله إلى معاصيه.

  · الأحكام: تدل الآية على وجوب اتباع من يدعو إلى الله وتوحيده وعدله.

  ويدل قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا} على صحة المقايسة؛ لأنه قاس الإعادة على الابتداء، وهذا من أصح الاعتبار؛ لأن خلق الأجسام لا يصح إلا من القادر للذات، والإعادة لا