التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم 20 طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم 21 فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم 22 أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم 23 أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها 24 إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم 25}

صفحة 6460 - الجزء 9

  في إظهارهم للإيمان والطاعة «لَكَانَ خَيرًا لَهُمْ» من الشك الذي في قلوبهم، وقيل: من المعاذير الكاذبة التي اعتلوا بها في التخلف عن الجهاد، فإذا حضر الجهاد تخلفوا عنه، ولو حضروه لكان الحضور خيرًا لهم، وقيل: لو صدقوا الله ألَّا يضمروا خلاف ما أظهروا لكان خيرًا لهم.

  «فَهَلْ عَسَيتُمْ إِنْ تَوَلَّيتُمْ» فيه قولان:

  الأول: (تولى) بمعنى أعرض، من الإعراض، وهو ترك القبول أي: أمرتم بالطاعة، فأعرضتم عنها.

  الثاني: من الولاية، والمعنى: هل تقدرون أنكم إذا أُمِرْتُمْ بالطاعة أعرضتم.

  «أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ»، وعلى الوجه الثاني: هل تقدرون أنكم تتمكنون في الأرض، فتفسدون بالقتل والأشر والغار، وتقطعون أرحامكم بمحاربة أقاربكم من المسلمين، فآيسهم الله مما قدروا في أنفسهم، وقيل: قل للمؤمنين: هل تحبون أن تكونوا مثل هَؤُلَاءِ المنافقين، فتتولوا عن الرسول، وتفسدوا في الأرض، وتقطعوا الأرحام، عن أبي مسلم، وقيل: تقديره: هل تقدرون أن يخليكم الله والإفساد في الأرض وقطع الأرحام إن أردتم ذلك، وتوليتم عن الرسول، وقيل: معناه: لعلكم إن أعرضتم عن القرآن أن تفسدوا في الأرض، وتعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الفرقة، قال قتادة: كيف رأيتم القوم حين تولوا عن القرآن ألم يسفكوا الدم، وقطعوا الأرحام، وعصوا الرحمن؟ «أوْلَئِكَ» يعني من كان عزمه الإفساد «الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ» أي: أبعدهم عن رحمته «فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى