التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم 36 إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم 37 هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم 38}

صفحة 6474 - الجزء 9

  وروي ذلك مرفوعا، وقيل: فارس والروم، عن عكرمة، وقيل: يجوز أن يكون قومًا في المعلوم يثبتون على الإيمان والحق بدل المعرضين، وقيل: يجوز أن يكون ملائكة فإنهم نصروه في مواطن، وقيل: لا يكونون في الصورة أمثالكم، وقيل: أراد به الأنصار وأهل المدينة بدلاً من أهل مكة، وقد فعل، فإنهم قاموا بنصرته في حياته وبعد وفاته، عن الحسن، وقيل: الإبدال مشروط بالتولي، وحيث لم يتولوا لم يجب الاستبدال، فهذا كقوله تعالى: {إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا}⁣[التحريم: ٥].

  · الأحكام: يدل قوله: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} على أنه ينبغي للعاقل أن يهتم لأمر الآخرة التي هي دائمة، دون الدنيا الفانية.

  ومتى قيل: أليس الله تعالى خلق الحياة الدنيا، فلماذا ذمها، وذكر أنها لعب؟

  قلنا: الذم لا يرجع إلى ما خلق الله تعالى؛ لأن جميع ذلك خلق لغرض صحيح، وجميعها نعم يجب شكرها، إلا أنه خلقها لغرض، وهو طلب الآخرة بالعبادة، فإذا ترك الإنسان الغرض المقصود، وصير مقصوده زينة الدنيا، فما يفعله كاللعب حيث يفنى ويزول، ويصير إلى حال الندامة.

  وتدل الآية على ذم البخل، وقد بَيَّنَّا أن في الشرع هو منع الواجب، وهو الصدقات والنفقات وغير ذلك.

  وتدل أنه لا يسأل جميع الأموال لعلمه بأنه لو سأل كلها لأعرضوا فكانت مفسدة، تظهر البخل والضغن، وذلك يدل على قولنا أنه تعالى يفعل اللطف، ولا يفعل ما يكون مفسدة.

  ويدل قوله: «يَسْتَبْدِلْ» على أن في مقدوره قومًا لو كلفهم لآمنوا ولم يفعل، فتدل على قولنا في أن الأصلح ليس بواجب.