قوله تعالى: {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم 36 إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم 37 هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم 38}
  وثانيها: يسألكموها، خطاب لمن تقدم ذكره في قوله: {وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ}.
  وثالثها: كناية عن الأموال يعني: إن سألكم مالكم.
  «فَيُحْفِكُمْ» أي: يلح عليكم ويلحف، وقيل: يسألكم ذلك ويلطف في السؤال، بأن يَعِدَ عليه الثواب الجزيل، عن أبي مسلم، وقيل: الإحفاء أن يأخذ جميع ما في يده، عن ابن زيد. «تَبْخَلُوا» بذلك، وتمنعوا الواجب، «وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ» قيل: البخل يخرج أضغانكم وحقدكم وعداوتكم، وقيل: يخرج الله تعالى المشقة التي في قلوبهم بسؤال أموالكم، أي: يظهرها، وقيل: السؤال يظهر أحقادكم.
  ثم بَيَّنَ الحجة على ما تقدم، فقال - سبحانه -: «هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أي: دعاكم الله ورسوله لتنفقوا بعض أموالكم في سبيل الله، ووعدكم الثواب الجزيل «فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ» مع الإيمان بِاللَّهِ ورسوله، ويمنع الواجب من النفقة، يعني إذا كان المؤمن يبخل، فكيف من لا يؤمن، وليس له مثل درجاتكم في العلم؟ «وَمَنْ يَبْخَلْ» يمنع الواجب «فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ»؛ لأنه يحرمها مثوبة عظيمة، ويلزمها عقوبة دائمة، أشار إلى أن معطي المال أحوج إليه من الفقراء لأخذه، فبخله بخل عن نفسه، وذلك أشد في البخل، «وَاللَّهُ الْغَنِيُّ» عن صدقاتكم، «وَأَنْتُمُ» المحتاجون إلى ثوابه، «الْفُقَرَاءُ» إلى الجزاء «وَإِنْ تَتَوَلَّوْا» تعرضوا عن الحق، وما لزمكم من الإنفاق، وعن أمر الرسول، «يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ» يعني أنه تعالى يأتي بقوم غيركم بدلاً منكم «ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ» قيل: في الطاعات؛ بل يكونون خيرًا منكم، فيطيعون فيما عصيتم، وينفقون فيما بخلتم، وليس في الآية بيان البَدل، واختلفوا فيه، قيل: هم كندة والنخع، عن الكلبي، وقيل: العجم، عن الحسن،