قوله تعالى: {سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا 11 بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا 12 ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا 13 ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما 14 سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا 15}
  والبُورُ: الفاسد، وهو مصدر لا يثنى ولا يجمع، يقال: رجل بُورٌ، ورجلان بُورٌ، ورجال بُورٌ، ويكون بور جمع بائر، والبائر: الهالك، والبوار: الهلاك، وبارت السلعة: هلكت وكسدت، وبار يبور: هلك، وأرض بائرة: معظلة عن الزراعة، ومنه: {تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ}[فاطر: ١٩].
  · النزول: قيل: نزلت الآية في غفار وجهينة وأشجع وأسلم والَّذِينَ تخلفوا عن الحديبية، وذلك أن رسول اللَّه ÷ استنفر الأعراب حول المدينة لما أراد الخروج إلى مكة معتمرًا حذرًا من قريش، وأحرم وساق الهَدْيَ؛ ليعلموا أنه لا يريد حربًا، فتثاقل عنه كثير من الأعراب، واعتلوا بالشغل، فنزلت الآية، عن ابن عباس، ومجاهد، وابن إسحاق.
  وقيل: نزلت في المتخلفين عن غزوة تبوك، عن الحسن.
  · المعنى: لما تقدم الأمر بنصرة الرسول، عقبه بذكر من تخلف عنه، فقال - سبحانه -: «سَيَقُولُ لَكَ» أيها الرسول «الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعرَابِ» الَّذِينَ خلفتهم في جهتك لتثاقلهم واعتذارهم بالمعاذير الكاذبة إذا رجعت إليهم وعاتبتهم على التخلف: «شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا» يعني اشتغلنا بأمرهما، وخفنا الضياع عليهما لو خرجنا معك «فَاسْتَغْفِرْ لَنَا» أي: اطلب لنا المغفرة من الله، فرد الله عليهم ذلك من أربعة أوجه:
  أولها: أنهم قالوا خلاف ما في قلوبهم من العذر وطلب الاستغفار، وإنما قالوا ذلك لاستعطاف الرسول.