قوله تعالى: {سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا 11 بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا 12 ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا 13 ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما 14 سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا 15}
  وثانيها: أنهم تخلفوا لا لعذر.
  وثالثها: طلب المغفرة.
  «قُلْ» يا محمد لهم «فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا» قيل: أراد ضر الدنيا ونفعها، وقيل: بل ضرر الآخرة ونفعها، والنفع مشروط بالتوبة، والأوجه حمله على الأمرين، «بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» أي: عالمًا بأعمالكم «بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا» قيل: ظنوا أنهم لا يرجعون عن سفرهم؛ لأن العدو يستأصلهم، عن قتادة. «وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ» قيل: الإلف والعادة زينه، وقيل: الشيطان زينه، وقيل: زينه بعضهم لبعض «وَكنْتُمْ قَوْمًا بُورًا» قيل: فاسدين، عن قتادة، وقيل: هالكين، عن مجاهد.
  ثم آيسهم الله عن المغفرة، فقال - سبحانه -: «وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا» نارًا وتوبيخا «وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ» بشرط التوبة والإيمان «وُيعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ» بترك الإيمان والطاعة والإصرار على الكبائر، وقيل: أراد بهذا بيان قدرته، أي: هو قادر على أن يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، ولكن لا يفعل إلا الحكمة، فيغفر للمؤمنين ويعذب الكافرين «وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا» فإن غفر فبفضله ورحمته، وإن عاقب فبعدله، وقيل: يغفر الذنوب بالتوبة، ويدخلهم الجنة بالرحمة «سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ» قيل: عن الحديبية، عن ابن عباس، ومجاهد، وابن إسحاق، وقيل: عن تبوك، عن الحسن، وأبي علي، وهو الأظهر؛ لأن التخلف عن تبوك عظيم على ما نطق به القرآن، ووردت به السنة، ولم يرو في التخلف عن الحديبية ذلك «إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ» قيل: غنائم خيبر، على أنه في شأن الحديبية،