التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما 26 لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا 27 هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا 28 محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما 29}

صفحة 6511 - الجزء 9

  وقيل: كلمة الإخلاص، عن مجاهد، وقيل: لا إله إلا الله والله أكبر، عن علي #، وابن عمر وقيل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عن عطاء بن أبي رباح، وقيل: ، عن الزهري، وقيل: التوحيد، وعبادة الله وحده، عن أبي مسلم. وقيل: طاعة الله وقبولهم لجميع ما أمرهم به، عن أبي علي، وقيل: ألزمهم ثواب كلمة التقوى {وَكَانُوا} يعني المؤمنين {أَحَقَّ بِهَا} قيل: أحق بالتوحيد وكلمة الإخلاص والتقوى عن أبي مسلم، وأبي علي، وقيل: كانوا أحق بالحمية والتشديد؛ لأنهم كانوا على الحق، وقيل: كانوا أحق بثواب التقوى؛ لأنهم أهلها وفعلوها، وقيل: أهلها لأنهم عليها يحيون، وعليها يموتون، وعليها يبعثون، {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} أي: بوجوه المصالح، يأمر وينهى بحسبه. ولما تقدم ذكر صد الكفار عن الدين، أخبرهم بدخولها آمنين، والرؤيا فيه، فقال - سبحانه: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} وهي رؤيا رآها ÷ عند مخرجه إلى الحديبية أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام، فطاف بالبيت، وحلق رأسه، فأخبر بذلك أصحابه، ثم خرج فاعتقدوا دخوله في تلك السنة، ورسول الله ÷ لم يقل: يدخلون في هذه السنة أو في السنة الثانية، فلما صدوا شق عليهم، فبشرهم أنهم سيدخلون بعده، وحقق الله رؤياه لما دخلوا، وقيل: كانت الرؤيا قبل خروجه إلى الحديبية، ووصف رؤياه بالحق؛ لأنه حقيقة، فصار كالوحي، واختلفوا، فقيل: {لَتَدْخُلُنَّ} كلام الرسول لأصحابه على حسب رؤياه، عن ابن كيسان، وقيل: بل هو كلام الله على سبيل الحكاية {إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} اختلفوا في أن الاستثناء عماذا، وقد طعن بعض الملحدة فيه، فقالوا: كيف يكون في كلام الله ورسوله استثناء، وهلَّا قطع على ذلك؟