التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم 1 ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون 2 إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم 3 إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون 4 ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم 5}

صفحة 6523 - الجزء 9

  ومتى قيل: فعلى أي وجه يحرم رفع الصوت عنده؟

  قلنا: على جميع الوجوه.

  ثم مدح من يغض الصوت عنده تعظيمًا له، فقال - سبحانه -: «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ» أي: يخفونها، ولا يجهرون بها جهرًا عظيمًا، وكما يحسن ذلك مع النبي ÷، فكذلك مع الأئمة والعلماء، ومن يجب تعظيمه «أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى» أي: اختبرها فأخلصها، قيل: أخلصها للتقوى، عن قتادة، ومجاهد. وقيل: أكرمها للتقوى، عن ابن عباس، وقيل: أذهب الشهوات منها، عن عمر بن الخطاب ¥، وقيل: علم الله من قلوبهم التقوى؛ لأن الامتحان يراد للعلم، فذكر ذلك توسعًا، وقيل: امتحن قلوبهم فوجدها خاصة للتقوى؛ وقيل: امتحن: تَوَسُّعٌ، أي: لطف حتى وسع قلوبهم، وقيل: امتحنهم ليظهر ما فيه من التقوى. «لَهُمْ مَغْفِرَةٌ» لذنبهم «وَأَجْرٌ عَظِيمٌ» أي: ثواب، وهو الجنة «إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ» يا محمد «مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ» قيل: خلف الحجرات «أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ» يعني أنهم جهال «وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيهِمْ لَكَانَ خَيرًا لَهُمْ» قيل: أنفع وأسلم من الآثام والثبور، عن أبي علي، وقيل: أشفع لهم في ذراريهم، وكان يكتب بعتق جميعهم، وقيل: أدخل في تعظيم النبي ÷، وقيل: أقرب إلى الصلاح وأبعد من سوء الأدب «وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» يغفر الذنوب بالتوبة، ويرحم بإدخالهم الجنة.

  · الأحكام: يدل قوله: {لَا تُقَدِّمُوا} على وجوب الانقياد لله والرسول، وتحريم تجاوز أمرهما، وتعدي رسمهما، وقد مدح الله تعالى الملائكة فقال: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ}.

  وتدل على أن الاقتداء بالرسول واجب في أقواله وأفعاله.