قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم 14 إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون 15 قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم 16 يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين 17 إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون 18}
  وتحلفون وفي ضمائركم خلاف ذلك، وهو يعلم ما في ضمائركم من النفاق «وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا» أي: يعدون إسلامهم نعمة على الرسول ويتوهمون أنهم نفعوك به حيث قالوا: آمنا وأسلمنا وهاجرنا وفعلنا «قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ» فَإنَّ نفعه يعود عليكمْ «بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ» يعني نعم الله عليكم أكثر حيث هداكم وأمركم وأزاح علتكم ووفقكم «إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» في أنكم مؤمنون «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» أي: عالم بأعمالكم وبالمحق والمبطل فيجازي كل أحد بما استحقه.
  · الأحكام: تدل الآية الأولى أن مجرد إظهار القول لا يكون به مؤمنًا، خلاف قول الكرامية.
  وتدل على أن الإيمان إنما يتكامل بالقول والاعتقاد والعمل؛ لذلك وصف في الآية الثانية وفي هده الآية.
  وتدل على أن المنة لله في الإيمان على العبد أكثر، من حيث هداه وقواه ولطف له وأزاح علته، وكذلك للرسول حيث بَيَّنَ ودعا، فأما العبد فإيمانه يعود نفعه إليه فلا منَّة له على أحد.
  وتدل على أن الهداية غير الإيمان لذلك قال: {أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} على ما نقوله، خلاف ما تقوله الْمُجْبِرَة.
  ولا يقال: إن الإيمان غير الإسلام؛ لأنا قد بَيَّنا أن في اللغة معناهما مغاير؟
  فلذلك فرق، فأما في الشرع فنقلا إلى معنى واحد كما بيناه.