التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم 14 إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون 15 قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم 16 يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين 17 إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون 18}

صفحة 6543 - الجزء 9

  وقيل: نزلت في قوم من المسلمين قالوا: آمنا وأسلمنا قبل أن يسلم بنو فلان، وقاتلنا معك بني فلان، عن الحسن.

  والأكثر على أنها نزلت في قوم من المنافقين.

  وقال السدي: نزلت في الأعراب الَّذِينَ ذكرهم في سورة (الفتح) وهم أعراب مزينة، وجُهينة، وأسلم، وأشجع، وغفار، كانوا يقولون: آمنا ليأمنوا، فلما استنفرهم رسول الله ÷ إلى الحديبية تخلفوا، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية، فلما نزلت هاتان الآيتان أتت الأعراب وحلفوا أنهم مؤمنون في السر والعلانية، وعرف اللَّه منهم خلافه، فأنزل الله تعالى فيهم: {أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ}.

  · المعنى: لما تقدم وجوب الموالاة بالإيمان بَيَّنَ صفة الإيمان، فقال - سبحانه -: «قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ» يا محمد لهم «لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا» قيل: استسلموا خوف السيف والقتل، عن سعيد بن جبير، وابن زيد. «وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ» يعني تظهرون ما ليس في قلوبكم، فَبَيَّنَ أنهم منافقون «وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ظاهرًا وباطنًا «لاَ يَلِتْكُمْ» أي: لا ينقصكم «مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» غفور يغفر الذنوب، رحيم لا ينقص من ثوابهم شيئًا «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا» أي: لم يشكوا في شيء من أمور الدين «وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أي: في دينه «أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ» في قولهم: إنا مؤمنون، لا من انقاد وقال ذلك خوف السيف «قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ» الذي تعتقدون، وهو استفهام والمراد الإنكار والتقريع، أي: كيف تعلمون الله دينكم