التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد 20 وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد 21 لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد 22 وقال قرينه هذا ما لدي عتيد 23 ألقيا في جهنم كل كفار عنيد 24 مناع للخير معتد مريب 25 الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد 26 قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد 27 قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد 28 ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد 29}

صفحة 6565 - الجزء 9

  من الإنس، فالتابع يقول للمتبوع والعامة للرؤساء موركًا للذنبا عليهم، والثاني جوابهم لهم فهما من الإنس والشيطان، وقيل: هما ملك «رَبَّنَا مَا أَطْغَيتُهُ» أي: ما أضللته وما أوقعته في الطغيان، وقيل: ما أطغيته استكراها يعني ما أكرهته، ولكن دعوته فأجاب طائعًا، وهذا قول الشيطان أو متبوع أهل الضلال، وقيل: هذا قول الملك أي: ما شهدت عليه بالطغيان كذبًا، وما نسبته إلى الضلال باطلاً، وما زدت في كتابه على ما عمل «وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ» عن الحق، فلذلك شهدت عليه، عن سعيد بن جبير. وقيل: قال قرينه الملك؛ لأن الوليد بن المغيرة قال للملك الذي كان يكتب السيئات: رب إنه أعجلني، فيقول الملك: ربنا ما أطغيته؛ أي: ما أعجلته، عن ابن عباس، ومقاتل. فلما كثرت المخاصمة بين الشياطين وأتباعهم والرؤساء المتبوعين ومن تبعهم من العوام «قَال» الله تعالى «لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ»؛ لأنهما كليهما يستوجبان العذاب، هذا بالإضلال، وهذا بالقبول، وقيل: اعتذروا بغير عذر فلم يقبل منهم «وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيكُمْ بالْوَعِيدِ» قيل: قدمت [أنَّ] من عمل سيئة يجز بها، وقيل: هو قوله: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ}⁣[الأعراف: ١٨] وقيل: على ألسنة الرسل، وقيل: في القرآن أنذرتكم فلا تبديل لقولي.

  ومتى قيل: أليس في التنزيل: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}⁣[الزمر: ٣١]؟

  قلنا: في القيامة مواقف، في موقف يختصمون، فإذا فصل القضاء فلا خصومة بعده.

  وقيل: {قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} بوعيد من اعتقد ضلالاً ودعا إليه، ووعيد من قبل تقليدًا أو لم يتفكر في الأدلة.