التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد 30 وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد 31 هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ 32 من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب 33 ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود 34 لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد 35}

صفحة 6569 - الجزء 9

  فأما ما ترويه الحشوية والمشبهة أنها لا تمتلئ حتى يضع الجبار قدمه فيها فيقول: قط قط، ويروى رِجْله، فلا يصح من وجوه:

  منها: لأن فيه إثبات عضو لله تعالى.

  ومنها: أنه تعالى وعد أن يملأ جهنم من الجِنَّة والناس، لا من رِجْلِه.

  ومنها: أنه يوجب كون رجله في النار خالدًا مخلدًا، وقد تأوله بعضهم وقال:

  المراد قدمه، يعني من قدمه الله تعالى إلى النار، قال: والمراد بقوله: برجله، جماعة من الناس، وفيه نوع من التعسف.

  «وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ» أي: قربت حتى يروا ما فيها من النعيم قبل أن يدخلوها «غَيرَ بَعِيدٍ» منهم، وهذا تأكيد، ثم يقال لهم: «هَذَا» يعني نعيم أهل الجنة «مَا تُوعَدُونَ» في الدنيا على ألسنة الرسل «لِكُلِّ أوَّابٍ» قيل: تواب، عن الضحاك. وقيل: رَجَّاع إلى الطاعة، عن ابن زيد. وقيل: مُسَبح، عن ابن عباس، وعطاء من قوله: {يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ}⁣[سبأ: ١٠]، وقيل: هو الذاكر لله في الخلاء، وقيل: الَّذِينَ يذكرون ذنوبهم في الخلاء فيستغفرون منها، عن مجاهد، والشعبي. وقيل: المصلي، عن قتادة. وقيل: المطيع، عن مقاتل. وقيل: المتوكل عليه المنقطع إليه لا يشغله عنه شيء «حَفِيظٍ» قيل: حفظ ذنوبه حتى يرجع عنها، عن ابن عباس. وقيل: حفيظ لما استودعه الله من حقه ونعمه، عن قتادة. وقيل: الحافظ لأمر الله وما سمع من كتابه، وقيل: من حفظ دينه وأطاع ربه، وقيل: الحافظ لنفسه وجوارحه من المعاصي، عن أبي علي. وقيل: من يحفظ أعماله مما يحبطها، وقيل: يحفظ حقوق الله وحدوده بمحاسبة نفسه «مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ» أي: من خاف الرحمن وإن لم يره، وقيل: في الخلوة بحيث لا يراه أحد، عن الضحاك، والسدي. «وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ» قيل:

  مقبل على طاعة الله، عن الحسن. وقيل: المنيب: المتوكل على الله، الراجع في أموره إليه، المتمسك بأوامره، عن أبي علي، ثم يقال لهم: «ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ» قيل: سلامة من العذاب، وقيل: سلامة من الزوال والفناء، وقيل: بسلام من الله وملائكته،