التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم 199}

صفحة 825 - الجزء 1

  قال: «ثُمَّ أَفِيضُوا» فوجب أن تكون إفاضة ثانية، فتدل أن الإفاضتين واجبتان، وهما وإن وجبتا فليستا بركن «مِنْ حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ» أي دفع الناس، وقيل: الناس سائر العرب، والأمر لقريش أن يفعلوا كما يفعله سائر العرب، عن ابن عباس وجماعة.

  وقيل: الناس إبراهيم، عن أبي علي والضحاك؛ كقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} يعني: نعيم بن مسعود. وقيل: هم أهل اليمن وربيعة، عن الكلبي.

  وقيل: آدم، عن سعيد بن جبير والزهري. وقيل: أراد بالناس العلماء الَّذِينَ يعلمون الدين، ويعلمونه الناس «وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ» أي اطلبوا المغفرة منه بالتوبة لما سلف من المعاصي، والتقرب إليه بالطاعات، وقيل: استغفروه لما سلف من مخالفتكم في الوقوف والإقامة، فإنه غفور كثير المغفرة، رحيم واسع الرحمة.

  · الأحكام: الآية تدل على وجوب الإفاضة من عرفة، ومن المزدلفة، فأما الدفع من عرفة فوقته بعد غروب الشمس يوم عرفة، فإن دفع قبل غروب الشمس فقال أبي حنيفة: عليه دم، فإن عاد ودفع مع الإمام سقط عنه الدم، وقال زفر: لا يسقط عنه الدم، وقال الشافعي: لا شيء عليه، وقال مالك بن أنس: لا يجوز وقوفه، فإن عاد وإلا فات حجه، وهذا مبني على أن الوقوف في جزء من الليل واجب عندنا وليس بركن، وأما الدفع من مزدلفة فقبل طلوع الشمس، وإن دفع قبل طلوع الفجر، ولم يكن له كون بها بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس من غير عذر فعليه دم، لأنه واجب، وقد بَيَّنَّا الخلاف فيه؛ لأن عند الشافعي ليس ذلك بواجب فلا شيء عليه، فإن لم يبت في مزدلفة وأدرك الوقوف قبل طلوع الفجر فلا شيء عليه؛ لأن البيتوتة