التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون 47 والأرض فرشناها فنعم الماهدون 48 ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون 49 ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين 50 ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين 51 كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون 52 أتواصوا به بل هم قوم طاغون 53 فتول عنهم فما أنت بملوم 54 وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين 55}

صفحة 6602 - الجزء 9

  «بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ» مجاوزون الحد في العصيان «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ» أي: أعرض عنهم، عن مجاهد. وقيل: أمر بالإعراض عن المكأفاة لا عن الاستدعاء، وقيل: أمر بالإعراض عنهم استخفافًا بهم وتهاونًا، وقيل: أمر بالإعراض بعد الدعاء؛ لأنه ربما يكون كثرة الدعاء مفسدة «فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ» على أفعالهم إنما عليك البلاغ «وَذَكِّرْ» أي: ذكرهم بالموعظة، عن مجاهد. وقيل: بنعم اللَّه ليشكروها، وبنقمته ليجتنبوا معاصيه «فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» إن لم ينتفع به أولئك الكفرة.

  · الأحكام: يدل قوله: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} أن إحداث السماء وتأليفها من فعله تعالى، ويبعد أن يقدر على مثل تأليفها أحد غيره، وأما إحداث الجواهر فلا يقدر عليه أحد سواه.

  ومتى قيل: إذا علم كيفية البناء وبنى، وجب أن يوصف بأنه بَنَّاء، وإذا قال: «بأيد» وجب أن يدل أن له يدًا على ما تقوله المشبهة، وإن لم يصح إثبات اليد وجب إثبات صفة له كما تقوله الكلابية، وإن حملتموه على القوة وجب أن يدل على أنه قادر بقدرة؟

  قلنا: أما الأول: فإنما لا يسمى بذلك؛ لأنه اسم لحرفةٍ مخصوصة، فهو كقولنا: طبيب وفقيه وصائغ وحائك ونَسَّاج وما أشبهه.

  وأما الثاني: فقد ثبت أنه ليس بجسم، فلا يجوز إثبات اليد له، ولأن الظاهر يوجب إثبات أَيْدٍ، ولا خلاف أنه ليس له ثلاثة أَيْدٍ.

  فأما الثالث: فقد بَيَّنَّا الخلاف في المعنى والعبارة.

  وأما الرابع: فالمراد بناها، وهو قادر على بنائها، ولأن القادر بقدرة لا يقدر على الجسم، ولأن صفة كونه قادرا واجب، فلا يفتقر إلى علة كوجوده، ولأن قدرته