قوله تعالى: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون 47 والأرض فرشناها فنعم الماهدون 48 ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون 49 ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين 50 ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين 51 كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون 52 أتواصوا به بل هم قوم طاغون 53 فتول عنهم فما أنت بملوم 54 وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين 55}
  ابن زيد. وقيل: نحن أغنياء، عن الضحاك. دليله {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ}[البقرة: ] ٢٣٦.يعني خلقناهما لا لحاجة، وقيل: عالمون، أحاط علمنا بكل شيء، قيل: لم يكن ذلك عن جهل؛ بل نحن في سعة من القدرة لا يضيق علينا شيء مما نريده، عن أبي علي. وقيل: لموسعون في تدبيرها وإقامتها على غير عمد، عن الأصم. «وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا» أي: بسطناها «فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ» الباسطون، وذكر بلفظ الجمع تفخيمًا «وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ» قيل: الليل والنهار، والشمس والقمر، والسماء والأرض، والإنس والجن، عن الحسن، ومجاهد. وقيل: زوجين الذكر والأنثى، عن ابن زيد. «لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» أي: تتفكرون فيه فتعلموا أن له مدبرًا «فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ» قيل: اهربوا من عقابه إلى رحمته بإخلاص طاعته، وقيل: فروا إليه بترك جميع ما يشغلكم عن طاعته، وقيل: انقطعوا إليه بأن تفروا من سواه، قيل: فروا من الشيطان وطاعته وقبول وسوسته إلى طاعة الله وامتثال أمره، وقيل: من الدنيا وزينتها إليه، وقيل: فروا من مخالفته إلى طاعته، ومن أعدائه إلى أوليائه «إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ» نذير: مخوف من عقابه، مُبين: [مُبيّن] لكم ما أرسل به «وَلاَ تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ».
  ومتى قيل: لِم كرر: {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}؟
  قيل: لأن المراد بهما مختلف، فالأول: فروا فإني لكم نذير في ترك الفرار عن جميع المعاصي، وبالثاني: خص الشرك لعظمه كما خص جبريل وميكائيل في قوله: {وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَال}[البقرة: ٩٨] تفخيمًا لهما.
  «كَذَلِكَ» أي: كما كذبك قومك وقالوا: ساحر أو مجنون كذلك «مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ» فشبه حال قومه في تكذيبه بحال الأمم قبله «أَتَوَاصَوْا بِهِ» يعني وصى بعضهم بعضًا بالتكذيب؟ وقيل: كأن الأول أوصى الآخِر بالتكذيب، عن قتادة.
  ومتى قيل: كيف جاز منهم الاتفاق على التكذيب مع اختلاف الأزمنة؟
  قلنا: قيل: بالتواصي، وقيل: لأن الشبهة الداعية واحدة.