التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون 56 ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون 57 إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين 58 فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون 59 فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون 60}

صفحة 6606 - الجزء 9

  النون نعتًا للقوة، قال الفراء: وكان حقه أن يقول: المتينة فَذَكَّرَهُ؛ لأنه ذهب به إلى الشيء المتين المحكم كما يقال: حبل متين، ونحو قوله: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ}⁣[البقرة: ٢٧٥] أي: وعظ {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ}⁣[هود: ٦٧] أي: الصياح.

  · اللغة: القوة: القدرة، يقال: قواه على الأمر أقدره، والقوة عَرَضٌ به يقدر الحي [على] لا يقدر عليه غيره تعالى، وجميعها مختلف لا مثل فيه ولا تضاد، ولا شبهة أنه يقال: إنه تعالى أقدر الكفار على الكفر والإيمان، ولا يقال أعانه؛ لأن الإعانة تتضمن الإرادة، واختلفوا هل يقال قواه؟ فأكثر مشايخنا قالوا: لا، وأجروها مجرى الإعانة، وروى عباد: نَعَمْ، وإليه ذهب بعض مشايخنا، واختاره القاضي؛ لأنه لا فرق بين أقدر وقوى.

  والمتين: الشديد القوي، والمتين من الأرض ما صلب وارتفع، ويقال: سار سيرًا متينًا أي: شديدًا.

  والذَّنوب: أصله الدلو العظيم ملئ ماء، قال الشاعر:

  لَنَا ذَنُوبٌ وَلَكُمْ ذَنُوبُ ... فَإِنْ أَبيْتُمْ فَلَنَا الْقَلِيبُ

  وسمي ذنوبًا؛ لأنها في طرف الحبل كأنها في الذَّنب، والذنوب يُذَكَّر ويؤنث، والذَّنُوب النصيب من ذلك، كأنه بمنزلة الماء في الرواية نصيبه، قال الشاعر:

  لَعَمْرُكَ والْمَنَايَا طَارِقَاتٌ ... لِكُلِّ بَنِي أَبٍ فيهَا ذَنُوبُ

  أي: نصيب، والذنوب: الفرس الطويل الذَّنَبِ، كأنه نصيبه.